العدد 4866
الأربعاء 09 فبراير 2022
banner
لماذا تكرر واشنطن أخطاءها؟
الأربعاء 09 فبراير 2022

يصف الناشط السياسي الأميركي غور فيدال الولايات المتحدة الأميركية، بأنها "الولايات المتحدة المصابة بداء النسيان".. أما وزير الخارجية الألماني السابق، يوشكا فيشر، فيقر بأن أميركا مدفوعة بدافع قسري يجعلها تكرر أخطاءها التاريخية من دون أدنى اعتبار لأخطاء الماضي وتجارب الأمس. 
لم تتعلم واشنطن من الحروب التي خاضتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وحتى اليوم الدرس المؤكد، وهو أن القوة الخشنة وحدها لا تكفي لحل تعقيدات كوكبنا المشحون بالصدامات في الزحام والاحتكاك في الظلام. من هنا يفهم المرء كيف أن انسحابها الفوضوي الأخير من أفغانستان، لم يكن سوى أكلاف طبيعية لخطأ عميق في فهم تجارب الماضي. أمر آخر كررته واشنطن في بدايات العقد الماضي، ذلك العقد الذي عرف بأنه زمن الربيع العربي، والقاصي والداني يعلم أنه لم يكن ربيعا بل شتاء أصوليا قاتلا. 
منذ خمسينات القرن الماضي، مضت واشنطن وراء فلسفة ما عرف بـ "لاهوت الاحتواء" للأخوين دالاس، والفكرة الأساسية من ورائه هي تسخير العالم الإسلامي لمواجهة ومجابهة الاتحاد السوفييتي آيديولوجيا. مضت واشنطن في هذا الدعم إلى أن شجعت تيارات المجاهدين، بل إن طالبان كانت تستقبل في البيت الأبيض من قبل الرئيس رونالد ريجان تحت اسم "المقاتلين الأحرار"، وقد قاد الأمر في نهاية المشهد إلى مولد تنظيم القاعدة، والخسارة الفادحة التي حلت بالولايات المتحدة، ممثلة في أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. 
هل تكرر واشنطن أخطاءها ثانية من خلال سعيها الحثيث وراء إحياء الاتفاق النووي سيئ السمعة مع إيران؟ الشاهد أنه منذ دلف الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض، والديمقراطيون من ورائه، لم يكن له ولهم هم سوى مهاجمة الرئيس السابق ترامب، والكيد له سياسيا، حتى لو تسبب الأمر في إلحاق أذى غير مباشر اليوم بالبلاد والعباد، لكنه حكما في الغد سيضحى أذى بالغ الخطورة. 
نهار الجمعة الماضية ومن غير إعلان رسمي، أعادت إدارة الرئيس بايدن العمل بإعفاءات أساسية كانت تحمي الدول والشركات الأجنبية المشاركة في مشاريع نووية غير عسكرية من التهديد بفرض عقوبات أميركية، وهي إعفاءات كانت قد ألغيت خلال ولاية الرئيس ترامب. وبشيء من التفصيل، يسمح الإعفاء للدول الأخرى والشركات بالمشاركة في البرنامج النووي المدني الإيراني دون فرض عقوبات أميركية عليها باسم تعزيز السلامة ومنع الانتشار. تقول واشنطن رسميا إن ذلك الإجراء "ليس تنازلا"، كما أنه ليس "إشارة إلى أننا على وشك التوصل إلى توافق" لإنقاذ الاتفاق الجديد. 
هنا يحق لأي مراقب محقق ومدقق بالشأن الأميركي أن يتساءل: "في أي خانة إذا يمكن وصف الأمر، وهل هو مكافأة إذا للإيرانيين؟". 
ما قدمته الأيادي الإيرانية ووكلاء حربها في المنطقة خلال الفترة الأخيرة واضح للعيان، فقد سخرت الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة للحوثيين بهدف زعزعة استقرار الإمارات والسعودية، وغدا ربما تمضي في طريق إعاقة الملاحة البحرية الدولية في البحر الأحمر. 
في العراق يغني الحال عن السؤال، والأمر عينه في سوريا، أما في لبنان فحدث ولا حرج عن احتلال حزب الله بلد الأرز. 
وفرت إدارة أوباما مليارات الدولارات للإيرانيين مكنتهم من الاقتراب من قنبلتهم النووية.. لماذا تصر إدارة بايدن على امتلاك طهران سلاحها الذري تحت غطاء اتفاق نووي جديد؟
الخطأ هذه المرة قاتل لا يصد ولا يرد، وأول من سيصاب بالضرر الولايات المتحدة الأميركية نفسها.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية