العدد 4699
الخميس 26 أغسطس 2021
banner
الابتكار في رسـائل الاحتيال
الخميس 26 أغسطس 2021

كما أن للابتكارات مبادرات إيجابية ترتقي بأفراد ومؤسسات ومجتمعات، كذلك لها مبادرات سلبية تهدم كل ذلك، وإن كانت الابتكارات الإيجابية أكثر دون شك سواء من حيث القيمة التي تضيفها أوالتطور الذي تقوده أوتخفيض التكلفة التي تنتج عنها، إلا أن السلبية منها وإن قلت قد تكون ضارة ومكلفة، ومنها استخدامات الذكاء الاصطناعي بشكل سلبي ومُضر يلقي بظلاله على المستخدم الذي وثق بالتقنية أو بالنظام. من تلك الاستخدامات السلبية الضارة، رسائل الاحتيال الصادرة من تقنية الذكاء الاصطناعي والتي قد تصل لمستـوى متقـدم لا يُمكن متلقيها من تمييزها عن رسائل البشر.

فلطالما مثلت قدرة الذكاء الاصطناعي المستخدمة في معالجة اللغات الطبيعية قلقًا للعلماء من حيث استخدامها في صياغة محتوى رسائل البريد الإلكتروني الاحتيالية وبجودة عالية لا تتميز عن مثيلاتها من رسائل البشر. ومما زاد ذاك الهاجس هو إمكانية اعتماد المحتالين مستقبلًا على أنظمة الذكاء الاصطناعي فضلًا عن الخدمات المتوافرة بالسوق وبأسعار زهيدة، ما قد يُساهم في صياغة رسائلهم الاحتيالية كرسائل التصيـُد.

وأثناء فعاليات مؤتمر “Black Hat and Defcon”، الذي عُقد في 31 يوليو حتى 5 أغسطس 2021 بالولايات المتحدة الأميركية، عرض فريق تابع للوكالة الحكومية للتكنولوجيا بسنغافورة نتائج تجربة عملية تم تنفيذها لهذا الغرض، وقد اعتمدت التجربة على إرسال رسائل تصيد عبر البريد الإلكتروني، وهي من أشهر أنواع هجمات الاختراق، وقد احتوت الرسائل رابطًا ضارًا وهدفت لدفع المتلقي للضغط عليه، حيث تم إرسال ذات الرسائل لشريحة تُقارب 200 شخص. وقد كُتبت بعض الرسائل من قبل أعضاء الفريق وبعضها الآخر كُتب من جانب تقنية الذكاء الاصطناعي. طبعًا لم تكُن الروابط المتضمنة بالرسائل مضرة، لكنها كانت تقيس مدى تفاعل المتلقي مع هكذا رسائل وتعكس لفريق العمل عدد مرات الضغط عليها.

المفاجأة كانت نجاح الرسائل المكتوبة من جانب تقنية الذكاء الاصطناعي في تحقيق عدد أكبر من مرات الضغط على الرابط المخادع مقارنة بالرسائل المكتوبة من البشر وبنسبة عالية. ذلك يُدلل على أن المحتالين قد لا يحتاجون مستقبلًا لتطوير أنظمة متكاملة لعمليات الاحتيال، فبإمكانهم استغلال برمجيات الذكاء الاصطناعي المطوَرة مسبقًا لاستغلالها في عمليات الاحتيال دون الحاجة لقدرات شخصية لتطوير برمجيات خاصة أو ما شاكل، فضلًا عن أنه بإمكانهم استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر مثل “OpenAI”، علما أنه من خلال التجربة المشار لها استخدم فريق العمل نموذجا من نماذج “OpenAI”، إلى جانب اعتماده على تقنيات ذكاء اصطناعي أخرى متاحة، وكانت هذه التقنيات تُسهل فهم وتحليل الشخصيات المستهدفة في التجربة من أجل تسهيل عملية الاحتيال عليها ليسهل خداعها.

لا شك أن تلك النتائج المفزعة والأرقام المؤثرة لهذه التجربة تحتاج لتكرارها على شريحة أكبر من الأشخاص المستهدفين، للتوسُع في النتائج وتحليلاتها وبناء توصيات موثوقة يرتكز عليها الأفراد والشركات المحتمل استهدافهم من جهة، وتُنبـه الجهات المعنية بالأمن السيبراني من جهة أخرى لتكثيف حملاتها التوعوية وأنظمة الحماية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية