+A
A-

مجلة "الفيصل" تخصص ملفاً خاصاً عن الأديب البحريني الكبير أمين صالح

حتى العصافير تهمس باسمه وتحمل رايات المواعيد مع كتاباته التي تشبه الضوء واحزان المساء وغابة عذراء، أمين صالح..الأديب الذي يحمل القلم ككاميرا السينما ليصور لقطة تحمل نبأ استشهاد القارئ على كل الجبهات، وشظايا قناديله تلف اجسادنا بالروعة.

مجلة "الفيصل" في عدد يوليو خصصت ملفاً خاصاً عن أمين صالح شارك فيه مجموعة من الكتاب والأدباء العرب وفيما يلي تستعرض مسافات "البلاد" جزء من الملف.

مع الزميل الماجد بأسرة الأدباء والكتاب

تحت عنوان "عن الدرس الأول والسلمندر وتخدير الحواجز وأشياء أخرى" كتب الناقد السينمائي العماني عبدالله حبيب:

إن مما يدهشني في العديد من كتاباته هو أنني أتعرَّف فيها للمرّة الأولى إلى كائنات تشاركني مُواطَنَةَ الأرض وزمالة الحياة من دون أن أكون قد سمعت بها من قبل: أعني كائنات من قبيل السَّلمندر، والقندس، والباز، والحَجَل "قد تكون هذه المخلوقات، وغيرها، مألوفة لدى غيري، لكن متى كان شأن المرء إلا شأن المرء نفسه، ومتى كان شأن الآخرين إلا عناية الآخرين بأنفسهم"؟

أما الناقد المغربي نور الدين محقق فكتب عن شعرية الكتابة في أعمال أمين صالح الإبداعية قائلا:

تتحقق الكتابة الشعرية لدى الكاتب البحريني أمين صالح عبر القبض على الصور المرئية انطلاقًا من الكلمات، وهي عملية صعبة لا تنقاد إلا لشاعر خبير بالصورة على مختلف تجلياتها الرمزية وبعدها المرئي البعيد، هكذا نرى في هذه الكتابة الشعرية كثافة ثقافية متنوعة وشديدة العمق حيث "يصير الكلام في هذه الحال، هو الزمن المكثف لمخاض أكثر روحانية يُهيأ خلاله الفكر ليأخذ موضعه تدريجيًّا بوساطة مصادفة الألفاظ."

إن الكاتب البحريني الألمعي أمين صالح، وهو يحلق في هذه الكتابة الشعرية المميزة بخصوبة التصوير الشعري فيها، يمتلك عينًا سينمائية مدهشة تُركز على الحقل المرئي داخليًّا وخارجيًّا، فيبدو المشهد الشعري وكأنه قطعة سينمائية مأخوذة من فِلْم سينمائي سوريالي عميق. طبعًا على اعتبار أن السوريالية الشعرية هنا، هي ظاهرة ديناميكية لا سكونية ولا مُستقرة، وهي وسيلة تحرر شامل للفكر، للعقل، من خلال سبر اللاوعي، واللامرئي، تسعى السوريالية إلى تحرير القوى اللاشعورية المكبوتة أو المجهولة في الإنسان، وتعمل على توسيع حدود الوعي والمعرفة.

وكتب الناقد الأردني فخري صالح وتحت عنوان "استراتيجية في الكتابة تجعله يقيم على تخوم الإبداع":

يسعى الكاتب البحريني أمين صالح، منذ صدور مجموعته الأولى، إلى الاقتراب، في خصائص كتابته القصصية، من تخوم الكتابة الشعرية، ليصل إلى ما يسميه الكاتب والروائي المصري إدوار الخراط "كتابة عبر نوعية"، ويمكن أن نلاحظ، منذ البدايات، أن الاهتمام بتوليد فضاء شعري هو العنصر المهيمن في كتابته القصصية، وهو ما يضفي سحرًا وغموضًا على شخصياته وعوالمه الشديدة الالتصاق بفئات العمال والصيادين والمثقفين الهامشيين، والأشخاص المهمشين، والحالمين بالتغيير. وتدلّ عناوين كتبه (هنا الورد.. هنا نرقص، الفراشات، الصيد الملكي، الطرائد، ندماء الريح ندماء المرفأ، العناصر، ترنيمة للحجرة الكونية، إلخ) على الفضاء الشعري الذي يهيمن على قصصه، وعوالمه، وبؤرة اهتماماته.

"في مواجهة ماض لم يمت بما يكفي"..هذا ما كتبه الشاعر قاسم حداد ونقرأ :

يكتب لأنه يتنفس، الحياة عنده هي الكتابة بالدرجة الأولى. فلم أصادف منه عناية بشيء في حياته مثل اهتمامه بالكتابة، تعلمت من أمين صالح اكتشاف الماضي، وتأمل الحاضر، وصداقة المستقبل. لم أعرف عنه اكتراثًا سلبيًّا بالآخرين، حين لا يصير الآخر قانونًا له وقت الكتابة، لا أحد يكترث مثله بمشاعر الآخرين ودلالاتهم الإنسانية

على الرغم من اتفاقنا على ما لا يقاس ولا يحصى من أمور، فإننا نظل على طرفين مختلفين من النقائض الفعالة، وظني أن في بعض هذه النقائض اختلافًا يجعلنا نخطو في سعي دؤوب نحو تحقيق التكامل الذي لا يتكامل. فمن الخطأ اعتبارنا نسخة واحدة في شخصين. فربما اكتمالنا ينشأ من تلك النقائض والاختلافات الحيوية.

لكي نفهم أمين صالح علينا وضع الفن السينمائي عدسة لقراءتنا، فلهذا الفن دورٌ مكوّن في بنية مفهوم الكتابة عند أمين. الحاسة السينمائية لم تطرأ على ثقافة الكاتب في أمين صالح، إنما هي عنصر مؤسس في بنيته الثقافية، وهو الأمر الذي أغنى تجربته بجماليات تخترق رتابة الثقافة العربية، حيث الحاسة البصرية من الحواس المكبوتة عندنا منذ التراث؛ لذلك عمل أمين صالح على الاستعانة بالحساسية الفنية في تفجير أكثر الجماليات كمونًا في فنون الكتابة. فمن يسعى إلى تنشيط حريات المخيلة لن يستغني عن فن السينما بوصفه أكثر الفنون البصرية قوةً وثورية.

كما حمل الملف مشاركة للشاعرة البحرينية فوزية السندي، فتحت عنوان " أمين وهو يرانا الأن" كتب السندي:

منذ "هنا الوردة" وهو يرانا في حديقة روحه، أرواح متلهفة بقلوبها حوله، تتأمل إتقان موهبته وينبوع عطر روحه، تراه يتأمل ما يراه بهدوء وردة تتسامى في هواء الله، قدير يحيا وحده وكتبه وأقلامه وأوراقه في وقت يكتشف مداه.

عرفت أمين عندما احتميت بالحرف ولُذتُ ببياض لم أعهده من قبل، صديق للقلب، هادئ كما الغيمة وهي تمضي بنقاوة المطر في سماء ملهمة، دومًا يكتشف ذاته وما ينحت الروح، مـتأهبًا ببصيرته لحياة تقترب منه.

"المختلف إبداعا وسردا"..موضوعا للناقد البحريني فهد حسين وجاء فيه:

أعتقد أن أمين صالح من الكتّاب المبدعين الذين يبذلون جهدًا كبيرًا في البحث عن موضوع النص، وفي كيفية استثمار تلك القراءات الثقافية والأدبية والسينمائية المعمقة لتصب كلها في النص الذي لم يعد عنده نصًّا سرديًّا فحسب، وإنما هو نص سردي وثقافي ومعرفي في آن واحد، ويذهب نصه إلى أبعد من هذا إذا عددنا نصه في محطة ما بعد الحداثة لما له من خصوصية تتمثل في تكسير القوالب الجاهزة، والابتعاد من الأنماط المألوفة في الكتابة.​