العدد 4642
الأربعاء 30 يونيو 2021
banner
القيم الإنسانية في مواجهة الأصولية
الأربعاء 30 يونيو 2021

ما هو أفضل طريق يمكن للأديان كافة لاسيما اليهودية والمسيحية والإسلام تقديمه للبشرية في القرن الواحد والعشرين لمواجهة ومجابهة الأصوليات الدينية المتطرفة؟

المؤكد أن القيم الإنسانية تمثل رابطا عاما وقاسما مشتركا يمكن للأديان أن تعيد اكتشافها في نفوس الناس، ومن هذه الحقوق الأساسية والقيم الإنسانية، الحق في الحياة، والحق في التميز، والحق في الاحترام. وهناك كذلك المبادئ الإنسانية الرئيسية مثل الحرية والعدالة، والمساواة والرحمة، وحب الجمال والانسجام الخلقي، وجميع هذه القيم لا يختلف عليها كأساس متين وقوي في الأديان الإبراهيمية الثلاثة، وترسيخ وجودها يعني تقليص مساحات التطرف والأصولية.

على أن مسالة الحرية والحق مسألة دقيقة، ويجب أن تفهم على حقيقتها، فلا حرية مطلقة لأي إنسان، فحرية الفرد محدودة بحرية الآخر الذي يشاركه العيش في الدائرة نفسها، الجماعة الدينية، المجتمع، الوطن، والحق كذلك، فحق الفرد يقف عند حق الآخر، أو حق الجماعة المنتمي إليها هذا الفرد. هذه القيم الإنسانية حاضرة في كل إنسان ولكن بنسب متفاوتة، فبقدر ما يشجع الإنسان على بروزها في مسلكيته تكون حاضرة، وكلما عاد الإنسان إلى إنسانيته، يعود إلى هذه القيم، وتختفي هذه القيم تحت ركام "الأنا" المتجسدة في التكبر والطمع، وقد تكون هذه "الأنا" فردية أو جماعية، مثل "أنا" القومية، أو الوطنية، أو القبلية، أو العائلة، أو حتى الفرقة الدينية.

إن مهمة الدين العليا هي إبراز هذه القيم الإنسانية في الفرد والمجتمع، وتدريب الإنسان على العيش فيها، وبالقدر نفسه فإن فعل العبادة في الدين ما هو إلا عملية غرز أخلاقية الله في العابد، وكل ممارسة دينية تهدف إلى تدريب الممارس على العيش في هذه القيم، وأية ممارسات دينية على خلفيات أصولية تعارض هذه القيمة الإنسانية، يجب أن يشك في جدواها، فأي توجه ديني أو آيديولوجي يتسبب في تعدي الفرد على أي من هذه القيم الإنسانية يجب أن يعاد النظر فيه.

والشاهد أنه ضمن الآليات التي تساعد في مواجهة تحدي الأصوليات ضمن الأديان الإبراهيمية الثلاثة، البحث في الماضي المشترك وأوقات التعاون والتسامح وقبول الآخرين لاسيما من اليهود والمسيحيين.

 ولعل أفضل من يعطينا رؤية عن أداة المجابهة هذه، هو المؤرخ والكاتب الأميركي الشهير "زاكاري كارابل" في كتابه الشهير "أهل الكتاب.. التاريخ المنسي لعلاقة الإسلام بالغرب"، والذي يذهب إلى أننا جميعاً أسرى ثقافتنا بدرجات متفاوتة، ومع بعض الاستثناءات يمكن القول إن الصورة الحالية للعلاقات ما بين المسلمين والمسيحيين واليهود هي صورة سلبية، والاعتقاد بدوام وجود الصراع قد يرسخ بشكل عميق.

وإذا كان للقصص المروية في صفحات التاريخ أن تقول شيئا فإنها تخبرنا بأنه كان هناك عبر التاريخ تعاون فعال وتسامح ناضج، ومن الخطأ أن ننسى ونتجاهل القصص الإيجابية في التاريخ بين الأديان الثلاثة، لأن أحداً لم يفكر بأنها تستحق التدوين.

لا تكمن المشكلة في رؤيتنا للماضي فقط، فعندما تنظر أجيال المستقبل إلى النصف الثاني من القرن العشرين والعقود الأولى من القرن الحادي والعشرين، سترى كماً غير متسق من المعلومات، وما لم يحاولوا إيجاد قصص أخرى سينطبع في أذهانهم أن هذه السنوات - أي حاضرنا - اتصفت بحرب بين الحضارات، وبعداء متزايد بين المسلمين والمسيحيين واليهود، وسيقولون إن زماننا اتسم بتصاعد العنف والأعمال الإرهابية والتفجيرات الانتحارية والخوف من استحواذ واستخدام جماعة ما لأسلحة الدمار الشامل.

سوف نعذر أجيال المستقبل فيما لو نظروا إلى الماضي البعيد، وقصوا الروايات عن التباغض بين العقائد والأديان الثلاثة، بفعل توجهات الأصوليين، لكن يمكننا أيضا أن نقيم جسورا من المودات والحوار والجوار، تفتح لأجيال المستقبل أفق تعاون وحياة ونماء.

السلام لا الخصام هو الحل، فانظر ماذا ترى.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية