العدد 4635
الأربعاء 23 يونيو 2021
banner
هل تنسحب أميركا من الشرق الأوسط؟
الأربعاء 23 يونيو 2021

مساء الجمعة الماضية أعلنت وزارة الدفاع الأميركية، البنتاغون، عن سحب "قوات وقدرات معينة"، معظمها أنظمة دفاع جوي من الشرق الأوسط، مشددة في الوقت نفسه على التزامها الدائم تجاه المنطقة. الخبر المتقدم جاء في أعقاب قمة الدول السبع في بريطانيا، وعقب لقاء القمة الروسي الأميركي في فيلا لاجرانج بسويسرا، وقد بدا واضحا أن خارطة جديدة للأهداف الاستراتيجية الأميركية يتم رسمها حول العالم.

تبدو معالم وملامح الخيوط والخطوط الدولية في المستقبل المنظور مختلفة عما جرت به المقادير منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وحتى الساعة، فقد طفت الصين على سطح الأحداث كقطب مناوئ، واستردت روسيا الاتحادية عافيتها مرة جديدة، ما جعل واشنطن تضرب صفحا عن أي نقاط ساخنة أو ملتهبة حول العالم، وتكرس جهودها لمواجهة الدب الروسي، والتنين الصيني. في هذا الإطار نرى تسارعا غير مبرر في عملية الانسحاب الأميركي من أفغانستان، والمعروف أن المدى الزمني موصول لإنهاء عملية سحب الجنود والمعدات من هناك بسقف زمني هو سبتمبر القادم، وغالب الأمر أنه مع أغسطس المقبل لن يكون هناك وجود أميركي في أفغانستان بعد عقدين من الحضور الكثيف.

تطرح الأحداث المتقدمة علامة استفهام واسعة عن الحضور الأميركي في الشرق الأوسط، وكيف سيكون مستقبله في قادم الأيام، بمعنى هل ستظل الولايات المتحدة راغبة في البقاء، أو قادرة عليه، أم أن تغير أهدافها ورؤاها الاستراتيجية، سيدفعها للرحيل وبما يتسق مع مصالحها القومية؟ المعروف أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية اعتبرت واشنطن منطقة الخليج العربي، وبقية أرجاء الشرق الأوسط، مناطق نفوذ تقليدية، وقد بذلت جهودا جبارة طوال عقود الحرب الباردة لقطع الطريق على الانتشار الشيوعي، ومنع موسكو وجحافلها من الوصول إلى المياه الدافئة، طوال تلك العقود ارتبط أمن المنطقة بالولايات المتحدة الأميركية، والتي لعب حضورها دور رمانة الميزان في الصراعات القطبية والإقليمية، وكان الهدف الرئيس للولايات المتحدة منذ ذلك الوقت متمحورا حول الدفاع عن منابع النفط من جهة، وتأمين دولة إسرائيل الفتية من جانب آخر.

بعد نحو سبعة عقود أو أزيد قليلا، تغير المشهد بصورة واضحة، فقد ظهرت كما يرى البعض بعض بدائل النفط، لاسيما الزيت الصخري الأميركي، والذي كفل لواشنطن احتياجاتها الخاصة ومن غير اللجوء إلى الاستيراد من الخارج، أما إسرائيل فأصبحت قادرة على حماية نفسها، ناهيك عن انتشار رؤية للسلام في العالم العربي، ما يعني أن عقودا من العداء ربما في طريقها للذوبان والانصهار.

على أن واقع الحال فيما يخص قضية الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط يستدعي التساؤل: "هل من مصلحة واشنطن بالفعل مثل هذا الانسحاب؟"، قطعا لا تملك واشنطن مثل تلك الرفاهية، ذلك أنها تعلم أن هناك في الإقليم دولة مثل إيران لا يمكن الوثوق بها بالمطلق، وأن أية اتفاقيات معها لن تثنيها عن مخططاتها الهادفة لبسط هيمنتها على بقية أرجاء المنطقة.

أما خوف أميركا المؤكد فيتعلق بمربعات النفوذ التي ستخليها، وكيف لبكين أو موسكو أن تقوم بملئها.

الخلاصة.. واشنطن تحرك قطع الشطرنج على خارطة المنطقة من غير نية مطلقة في الانسحاب.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية