العدد 4620
الثلاثاء 08 يونيو 2021
banner
أين تلك الأيام التي كانت فيها للكتاب قيمة؟
الثلاثاء 08 يونيو 2021

وقف المذيع في منتصف الشارع وأخذ يسأل بعض المارة عشوائيا سؤالا واحدا يبدو في نظرنا سهلا ولا قيمة له، لكنه مثل خيوط الشمس الحارقة، والسؤال هو.. ما هي الكتب التي تقرأها وهل تحرص على القراءة باستمرار في منزلك؟


كل الإجابات لم تنتزع الإعجاب والإكبار من نفوس ملايين المشاهدين بقدر ما خلقت حالة من الألم والخوف على هذه الأمة التي كانت تعرف بالإنتاج والإبداع في مختلف المجالات الفكرية والفنية، لكنها اليوم أصبحت منكمشة جامدة بسبب وجود أمثال هؤلاء وإن كانوا فئة قليلة، فأحد المارة أجاب “لا أقرأ في البيت ولا أشجع أبنائي على القراءة.. ماذا ستفدينا القراءة والجيب خالي!”، وآخر أجاب بالصيغة الغبية.. “ليس هناك وقت للقراءة، لقد شبعنا قراءة على مقاعد الدراسة”.


ليتني أستطيع التعليق على تلك الإجابات والتنبيه إلى خطورتها، لكنني سأذكر قيمة الكتاب عند “الجاحظ”، فهو عنده نعم الذخيرة والعقيدة، والجليس والعمدة، ونعم النشوة ونعم النزهة، ونعم المستغل والحرفة، ونعم الأنيس ساعة الوحدة، ونعم المعرفة ببلاد الغربة، ونعم القرين والدخيل والزميل.. الكتب سلوتنا في الحياة.


أين تلك الأيام التي كانت فيها للكتاب قيمة بكل المفاهيم والمعاني، وكانت القراءة على رأس شؤون الناس اليومية، فلا يجتمع ثلاثة إلا والكتاب رابعهم، يقرأون ويتناقشون ويختلفون في الرأي والتحليل ولا يفترقون حتى يتقدم الليل، ويتناقل الناس أحاديثهم ومحاوراتهم وتذكر أسماؤهم فتمتلئ بها الأفواه وتبتسم لها الشفاه.. أين ذلك الجيل الذي كان يرى الدنيا أمامه منطوية في صفحات الكتاب، ويبيت في أروقة المكتبات ليقرأ ويوسع آفاق ثقافته، وعلومه بشتى الفروع ومختلف الألوان.


تلك الإجابات التي ذكرت في برنامج ترفيهي بثته إحدى الفضائيات العربية قبل أيام تعكس القاع البعيد الذي تعيش فيه مجتمعاتنا العربية والجفاف الفكري الذي أفسد القلوب، ولو تيسر عمل استبيان عربي شامل بطرح نفس الأسئلة سالفة الذكر لقرأنا الإجابات سرا لأنها ستكون أعنف من كسر الضلوع.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية