يحاول البعض التسلل والنفاذ واستغلال انشغال العالم بجائحة كوفيد 19 الكاسحة لكل ما يقف أمامها والمتغلبة حتى الآن على كل المحاولات العلمية والاجتماعية واللقاحية الرامية للقضاء عليها، وذلك بالعمل على تحقيق أهداف لن يستطيعوا تحقيقها في النور وفي الأجواء الطبيعية.
مثال ذلك ما كانت تعتزم إحدى الحكومات الأوروبية القيام به بوضع ما يسمى بـ “الخريطة الوطنية للإسلام” التي تحدد أسماء ومواقع أكثر من 600 مسجد ومؤسسة وجمعية إضافة إلى مسؤولين وروابطهم المحتملة، وأن تحمل بيانات مفصلة عنهم، دون أن تكترث إلى أن مثل هذه الخريطة هي بمثابة دعوة واضحة لاستهداف المسلمين والمؤسسات الإسلامية، وتحمل اتهاما لهم بالإرهاب، كما أنها قد تدفع آخرين إلى وضع خريطة مماثلة لليهودية وثالثة للمسيحية وغيرها من الخرائط، ومن ثم توفير فرص أكبر للعنف والتوتر والإرهاب بين المسلمين وغير المسلمين، فتتحول هذه الخريطة من خريطة محتملة للإسلام إلى خريطة فعلية للإرهاب.
لا يمكن تصور أو تصديق التصريح الذي أدلت به وزيرة بهذه الحكومة بأن الهدف من “الخريطة الوطنية للإسلام” محاربة الآيديولوجيات السياسية، وليس الدين، وأنها لا تهدف إلى وضع المسلمين بشكل عام في موضع الشك”. الحمد لله أن عدلت هذه الحكومة عن توجهها وتوقفت عن عزمها، بعد موجة انتقادات واسعة ومطالبة بإيقاف (الخريطة الإسلامية)” عن العمل، وبعد أن ظهرت بوادر ومؤشرات عن سوء استغلال البعض لهذه الخريطة وخصوصا من قبل بعض الجماعات اليمينية المتطرفة التي قامت بتعليق لافتات تحمل تصريحات معادية للإسلام على الكثير من المساجد.
لكن، ورغم ما يبدو بانتهاء هذه الأزمة الخطيرة ولو مؤقتًا، إلا أنها تكشف أن الخلط بين الإرهاب والإسلام في أوروبا لا يزال مستمرًا، وأن الفصل بينهما يحتاج إلى جهد أكبر من قبل الجمعيات والمؤسسات الإسلامية والفاعلين والمؤثرين في المجتمعات الأوروبية، وأن يكون هناك تنسيق وتعاون بين الجهود الشعبية ودوائر صنع القرار الرسمية في الدول الإسلامية ليكون الفصل بين الإسلام والإرهاب واقعًا مجتمعيًا وواجبًا أخلاقيًا وفرضًا قانونيًا.