العدد 4614
الأربعاء 02 يونيو 2021
banner
ألمانيا والتصالح مع الماضي
الأربعاء 02 يونيو 2021

لو بحثنا في أسباب تردي أوضاع ما يعرف بالدول النامية، لربما كان الاحتلال عاملاً مشتركًا في جل هذه الدول، حيث أفرز هذا الاحتلال وضعًا مختلاً وجراحًا عميقة بها.

لهذا، فمن الأمور التي تحسب لألمانيا ونأمل أن تسير على نهجها الدول الأخرى لتستقيم كثير من أحوال الدول النامية، ذلك التوجه نحو التصالح مع ماضيها الاستعماري، والذي جسده تصريح وزير الدولة في وزارة الخارجية ميشيل مونتيفيرينغ في نوفمبر 2020م بالقول “عشنا لفترة طويلة في ألمانيا على وهم أن حقبة الاستعمار الألماني مرت بأقل الأضرار وأنها لم تكن طويلة حتى تخلف أضرارًا حقيقية”.

ومنذ فترة، قامت الحكومة الألمانية بإنشاء نقطة اتصال مركزية للتواصل مع المستعمرات السابقة التي ترغب في استعادة الأشياء التي ضاعت منها، وبدأت المتاحف والمحفوظات بإعادة الرفات البشرية التي تم إحضارها لألمانيا في الحقبة الاستعمارية من أجل تجارب طبية، كما بدأت مدن في تغيير أسماء بعض الشوارع التي تكرم شخصيات استعمارية سابقة.

أما الخطوة الأخيرة والأهم في هذا الملف، فهي اعتراف ألمانيا في 28 مايو 2021 بارتكاب “إبادة جماعية” ضدّ شعبي هيريرو وناما في ناميبيا خلال استعمارها هذا البلد الأفريقي خلال الفترة من 1884 إلى 1915، (حيث قتل ما بين عامي 1904 و1908 عشرات الآلاف من أبناء شعبي هيريرو وناما في مذابح ارتكبها مستوطنون ألمان، فيما اعتبر أول إبادة جماعية في القرن العشرين)، متعهّدة بتقديم مساعدات تنموية لها تزيد قيمتها عن مليار يورو، إذ صرح وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في بيان بأنّه “اعتباراً من اليوم سنصنف رسميًا هذه الحوادث بما هي عليه في منظور اليوم: إبادة جماعية”.

هي مسؤولية تاريخية وأخلاقية على الدول الاستعمارية، لكن التوصل لهذه النقطة من التسامح والتصالح، يتطلب أيضًا جهادًا وإرادة وعزيمة من قبل الدول التي كانت مستعمرة، وعدم اليأس من إمكانية الحصول على حقوقها مهما طال الزمن.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .