العدد 4607
الأربعاء 26 مايو 2021
banner
في انتظار الوزير بلينكن
الأربعاء 26 مايو 2021

تنتظر منطقة الشرق الأوسط زيارة مهمة خلال الساعات القادمة، حيث أعلن في واشنطن عن رحلة سيقوم بها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، يلتقي فيها مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين، عطفا على شخصيات محورية أخرى في المنطقة، غير معلن عنها.. والتساؤل المباشر الذي يخطر على ذهن القارئ: هل من علاقة ما بين تلك الزيارة، وما جرى في المنطقة من صدام مسلح بين إسرائيل والفلسطينيين؟

حكما ذلك كذلك، فالزيارة أول الأمر وآخره هدفها تثبيت وقف إطلاق النار، وتعزيز فرص هدنة طويلة بين الجانبين، مع الأمل المعقود بالتوصل إلى صيغة نهائية لحل دائم وشامل وعادل، حل يقي الأجيال القادمة مرارة الخصومات، ونيران العداوة، وجحيم الحروب.

علامة الاستفهام التالية: "ما الذي تنتظره المنطقة وشعوبها من الضيف الأميركي الكبير؟ باختصار غير مخل، المزيد من الوساطة الأميركية النزيهة والمحايدة، من أجل إنهاء أطول صراع حول الكرة الأرضية في التاريخ الحديث، والذي طال نحو ثمانية عقود. هل الولايات المتحدة الأميركية قادرة على تغيير شكل هذا الوضع المتكلس والمتحجر؟ أغلب الظن أن ذلك كذلك، وهو أمر يستدعي شيئا من الشرح ولو بصورة مقتضبة، ذلك أن فكرة السطوة الإسرائيلية المطلقة على القرار الأميركي، لم تعد واقعية، بل على العكس تماما، إذ يتضح للإسرائيليين يوما تلو الآخر، أن هناك تغيرات جذرية تحدث في الداخل الأميركي، ولا تصب في صالحهم بحال من الأحوال. تغيرت الولايات المتحدة كثيرا في العقدين الأخيرين، ولم تعد فكرة انتقاد إسرائيل، تابوه، ممنوع الاقتراب منه كما كان الحال من قبل، بل باتت هناك أصوات مرتفعة تطالب بتقويم المسار الإسرائيلي، ومنها أصوات حركة، جي ستريت، التي انشقت عن جماعة الإيباك الداعمة لإسرائيل على طول المدى.

تبدو إدارة الرئيس بايدن راغبة في تغيير مشهد الشرق الأوسط، وليس سرا القول إن الكيمياء الشخصية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبين الرئيس بايدن ليست على ما يرام، وهناك العديد من وسائل الإعلام الأميركية التي أشارت إلى سخونة المكالمة الهاتفية الأخيرة بين الرجلين، تلك التي سبقت وقف إطلاق النار، ومحاولات الوسيط المصري الصادقة في التوصل إلى تهدئة تسبق الهدنة. انتظر بايدن أكثر من أسبوع، لكنه عند نقطة زمنية بعينها، أثبت أن لواشنطن قدرة حقيقية على ممارسة ضغوطات لا تصد ولا ترد على تل أبيب.

لكن هل يعني ذلك انفصام عرى العلاقة بين واشنطن وتل أبيب؟

يخطئ من يظن أن ذلك كذلك، فالمسارات والمساقات من الولايات المتحدة إلى إسرائيل والعكس، عضوية متجذرة في أبعاد روحية ودوجمائية، أي أن هناك شراكة إيمانية دينية، تجعل من المستحيل انقطاع حبل أو بالأحرى حبال الود بين الجانبين، وقد اتضح ذلك في تأكيدات الرئيس بايدن الخاصة باهتمام أميركا الفائق بأمن وأمان إسرائيل، وبإدانته صواريخ حماس التي تهدد المدنيين الإسرائيليين، ووعده بتقوية القبة الحديدية لإسرائيل.

نعم كل ما تقدم صحيح، لكن هناك أيضا جزئية مثيرة في رئاسة بايدن، جزئية يمكنها أن تسمح له بكتابة اسمه في سجل القياصرة الأميركيين، على حد وصف كاتب السير والأكاديمي البريطاني الشهير، السير نايجل هاملتون.. من الواضح للعيان أن الرئيس بايدن مستقبله خلفه وليس أمامه، ولا يظن أحد أنه يخطط لخوض سباق الرئاسة 2024 بحال من الأحوال، وربما مبلغ الآمال أن يكمل ولايته هذه بخير وسلام.. يعني ذلك أن الرجل متحلل من أية ضغوطات يمكن أن تمارس عليه من قبل جماعات الضغط سواء التي تدور في الفلك الإسرائيلي، أو غيرها، على كثرتها في أفق السياسة الأميركية.

من هنا يمكن لبايدن أن يدفع مسارات السلام الفلسطينية – الإسرائيلية، وقد كان دوما داعما لفكرة حل الدولتين، وها هو يعود من جديد إلى الحديث عنها، بخلاف الأجواء التي سادت طوال أربع سنوات سلفه، دونالد ترامب، وفكرة صفقة القرن التي لم يقدر لها أن ترى النور، وحسنا فعلت الأقدار في كل الأحوال.

ولعله من متناقضات القدر أن يتحول مسار الحزب الديمقراطي الذي دعم إسرائيل طوال تاريخه بشكل مطلق، لاسيما الجانب التقدمي اليساري، وقد أخذ رموزه موقفا رافضا للمواجهات العسكرية الأخيرة مع الفلسطينيين، بل وصل الأمر أن أعضاء آخرين من الديمقراطيين التقليديين مالوا مع رياح النقد الموجهة إلى الموقف الإسرائيلي.

في هذا الإطار، يمكن للوزير بلينكن، والذي اعترف قبل فترة وجيزة بأن أميركا ارتكبت أخطاء أدت إلى قلاقل للنظام الدولي، أن يعمل جاهدا على تصويب المسار الأميركي، لاسيما في المناطق التي ساء فيها التصرف، أو قلت الحيادية أو انعدمت النزاهة، وليس أهم من القضية الفلسطينية كمعيار لأهل الشرق الأوسط يقدرون به الدور الأميركي.

هل ينجح بلينكن في اختبار المنطقة الملتهبة؟ سيكون نصرا عظيما لبايدن إن فعل.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية