العدد 4600
الأربعاء 19 مايو 2021
banner
الهجمات السيبرانية... وحروب العالم الكونية
الأربعاء 19 مايو 2021

منذ نهاية الحرب العالمية، ومع سباق التسلح الذي دخل فيه العالم، لاسيما بين حلفي الأطلسي وارسو، توقع الجميع شرقا وغربا، أن تكون الحرب العالمية المقبلة حربا نووية، لاسيما أن العالم كان ولا يزال قد كدس من الأسلحة النووية ما يكفي لإبادة الكرة الأرضية عوض المرة مرات.

هل لا تزال البشرية تخشى الهجمات النووية، وما يترتب عليها من شتاء نووي طويل يمكنه أن يسحق ويمحق الحياة من على وجه الأرض؟ الشاهد أن هذا النوع من المخاطر قائم، وغالب الأمر قادم، لكن الكارثة الحقيقية، ربما تتمثل في أن العالم يمكنه أن يضحى تحت رحمة رغبات وإرادات غير مباشرة، لجماعات خارجة عن القانون، يمكنها أن تطال تلك الترسانات النووية، المحمولة جوا، والسابحة بحرا، ناهيك عن القائمة على الأرض، بمعنى أن تلك الحرب يمكنها أن تطلق على غير هوى أو إرادة حكام العالم.

يبدو الكلام هنا وللوهلة الأولى أنه غير معقول ولا مقبول، فكيف للحكومات المتصارعة أن لا تكون صاحبة القرار، وقد قرأ الجميع عن مزايا الضربة الأولى النووية، وكيف يستعد الطرف الثاني للرد. الحقيقة أن ما وصلت إليه البشرية في حاضرات أيامنا شيء مخيف إلى أبعد حد ومد، خصوصا بعد أن دخلت الإنسانية دائرة العالم الافتراضي، وأضحت هناك عوالم وعواصم موازية للعالم الحقيقي.

تبدو تلك الدوائر اليوم الخطر الداهم، فقد أضحت الخليقة حارة كونية، وليست قرية فقط كما أشار إلى ذلك عالم الاجتماع الكندي، مارشال ماكلوهان، في ستينات القرن المنصرم. جاءت الشبكة العنكبوتية، والمعروفة باسم الإنترنت لتنشئ نظاما عالميا ماورائيا، ويوما تلو الآخر، برعت جماعات الجريمة المنظمة في أن تكون طرفا فاعلا فيه، وهذه هي كارثة العلم حين يتحول إلى خنجر في خاصرة الإنسانية، باتت جميع البنى التحتية في الدول الكبرى والصغرى على حد سواء، مرتبطة ارتباطا جذريا بشبكات ودوائر إلكترونية، وأصبح من الممكن بالفعل أن يتم اختراق تلك الدوائر لتنفيذ مؤامرات ومخططات لم تكن لتخطر على بال البشر من قبل ثلاثة عقود.

ما الذي يجعلنا نفتح هذا الملف من جديد في هذه السطور؟ حدثان جرت بهما المقادير الأيام القليلة الماضية في الداخل الأميركي بنوع خاص: الأول: في أواخر أبريل الماضي، حيث استطاعت جماعة من القراصنة، أو الهاكرز، اختراق دائرة شرطة العاصمة الأميركية واشنطن، والحصول على كل ما بها من معلومات، ولأن وسائط التواصل الاجتماعي، صارت أسرع في تغطية الحدث، وبذلك باتت تستبق وسائل الإعلام التقليدية من تلفزة وإذاعة تقليدية، فقد كان من الصعب أن تنكر شرطة العاصمة حدوث الاختراق.

يعني ذلك أن هناك من حصل على ملفات هائلة عن تأمين البيت الأبيض، والكونغرس، وبقية الوزارات السيادية القائمة في المنطقة.

عطفا على ذلك يبدو من الطبيعي أن المخترقين استطاعوا الحصول على ملفات عن الجرائم والمجرمين، وأسماء الضباط وعناوينهم وأرقام هواتفهم وبريدهم الإلكتروني، عطفا على أسماء المخبرين الذين يعملون معهم، وما لا يحد ولا يمد من أسرار الشرطة.

الثاني: في الأسبوع الأول من شهر مايو الجاري، وذلك حين استطاع القراصنة الوصول إلى خطوط أنابيب النفط الخاصة بشركة "كولونيال بابيلاين"، والخط الخاص بالشركة الذي ينقل أكثر من 2.5 مليون برميل يوميا من البنزين والديزل ووقود الطائرات.

تسبب الهجوم السيبراني على تلك الخطوط في إحداث ارتباك خطير في نحو سبع عشرة ولاية أميركية، وقد شاهد العالم كيف يتسابق، ثم يتصارع الأميركيون، من أجل الوصول إلى محطات البنزين لتعبئة سياراتهم، في ظل النقص الحاد المفاجئ الذي أصاب الأسواق، وكلنا يعلم أن أميركا، دولة "مموترة"، بمعنى أنها دولة تقوم الحياة فيها على المواتير، أي المحركات، وبدون الطاقة لا يمكن إدارة مثل تلك الامبراطورية الشاسعة والواسعة.

والثابت أنه قبل الهجمات الأخيرة، عرفت واشنطن جدلا كبيرا في العام 2016 واكب انتخاب الرئيس السابق دونالد ترامب، ويومها توجهت الاتهامات إلى روسيا.

ومرة أخرى في ديسمبر الماضي، اهتزت أرجاء أميركا، واتفق الجميع من ديمقراطيين وجمهوريين على أن روسيا هي الفاعل، وذلك بعد هجوم سيبراني، جعل الرئيس المنتخب وقتها بايدن، يقسم بأغلظ الإيمان أن الجاني سيدفع غاليا ثمن فعلته. في ذلك الوقت بدت هناك همهمات داخلية حول وصول القراصنة إلى ما هو أخطر من وزارتي الخارجية والخزانة، وساعتها توقع الجميع أن وزارة الدفاع الأميركية ربما اخترقت بدورها.

بات السؤال ماذا لو طالت أيادي المخترقين الشفرة الخاصة بصواريخ أميركا النووية؟ باختصار غير مخل، الذين طالوا خطوط الأنابيب اليوم، يمكنهم الوصول إلى الصواريخ النووية غدا.. هل هي الحرب الكونية السيبرانية؟.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .