العدد 4591
الإثنين 10 مايو 2021
banner
لا لإخلاء القدس من أهلها
الإثنين 10 مايو 2021

ما الذي يجري في حي الشيخ جراح، والذي أضحى أشهر من نار على علم في الأيام القليلة الماضية؟ باختصار غير مخل، نحن أمام حرب غير تقليدية تشنها حكومة إسرائيل على المقدسيين من أهل الحي، لترغمهم على الرحيل، ليحل محلهم مستوطنون يرفعون شعارات التعصب والكراهية، ناهيك عن قناعاتهم الدوجمائية المليئة بالعنصرية، ما تسبب ولا يزال في الصدام الحادث على الأرض هناك، بين المدافعين عن حقوقهم في أرضهم وديارهم، وبين المعتدين.

أحد الأسئلة العميقة والمثيرة للقلق: "هل بات اليمين الإسرائيلي صاحب الكلمة العليا هناك؟ ليس سرا القول إن هناك تصاعدا غير مسبوق في مشاعر التطرف عند جماعات إسرائيلية يمينية، وربما كانت جماعة "لهفاه" على سبيل المثال واحدة منها، وباتت المكافئ الموضوعي للدواعش الذين تحدثت بهم الركبان في السنوات القليلة الفائتة. "لهفاه" تريد إلغاء القانون الوضعي الإسرائيلي والعودة للاحتكام إلى قوانين وشريعة التوراة، وترفض العيش مع الإسرائيليين العلمانيين أو قل المدنيين، وترى أن أرض إسرائيل من النهر إلى البحر، وأن لا حق لشعوبها فيها، فما بالنا بأرض القدس التي لا تزال تعرف بحسب القانون الدولي وشريعة الأمم المتحدة بوصفها أرضا واقعة تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي.

ما يجري في حي الشيخ جراح محاولة واضحة لتغيير الطبيعة الديموغرافية للحي، وبمعنى أكثر وضوحا هو تهويد للحي، أي استبدال سكانه الفلسطينيين الأصليين، مسلمين ومسيحيين، بسكان يهود في محاولة لا تخفى عن الأعين تجري بسرعة شديدة وعلى أصعدة مختلفة، منها ما يحدث تحت الأرض من خلال الحفر والأنفاق، وبعضها فوق الأرض كما الحال مع طرد سكان المدينة القديمة وتهجير عائلات فلسطينية بأكملها، ستصبح بلا مأوى في القريب العاجل.

أحسنت وزارة الخارجية البحرينية في بيانها الذي صدر نهار السبت، والذي دانت فيه الخطط الإسرائيلية لإخلاء عدد من المنازل في القدس من سكانها الفلسطينيين وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، وقد أشار البيان إلى أن هذا الأمر يمثل مخالفة لقرارات الشرعية الدولية ويقوض فرص إحياء عملية السلام وتحقيق أمن واستقرار المنطقة.

لم تكتف إسرائيل بتفعيل آليات طرد المواطنين الفلسطينيين من ديارهم هذه الأيام فحسب، بل تعرضت بالاعتداء للمصلين في المسجد الأقصى، خلال شهر رمضان الفضيل، ما جعل بيان مملكة البحرين أيضا يستنكر هذا العنف وذلك الاستفزاز ويطالب بوقفه على الفور.

يستدعي البيان البحريني تحية وإعزازا كبيرين، ذلك أنه على الرغم من أن البحرين قد وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل العام الماضي، ضمن سلسلة الاتفاقيات الإبراهيمية، إلا أنها تحت قيادتها الحكيمة، كانت صادقة في وقوفها إلى جانب الحق الفلسطيني، ورافضة للغي الذي يجافي وينافي كل النواميس الطبيعية، أو الشرائع والقوانين الوضعية.

المشهد الإسرائيلي الأخير تمت إدانته من هيئة الأمم المتحدة، فقد صرح المتحدث باسم مفوضية حقوق الإنسان، روبرت كولفيل، بأن أوامر الإخلاء إذا صدرت وتم تنفيذها، ستنتهك التزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي، بمعنى أن إسرائيل بوصفها قوة احتلال، هي المسؤول الأول عن حماية سكان القدس وعدم تغيير طبيعة التركيبة السكانية في الداخل هناك. ما يجري في حي الشخ جراح، من إجلاء قسري، وبحسب المتحدث باسم مفوضية حقوق الإنسان الأممية يرقى إلى جريمة حرب، وإفراغ القدس من سكانها الفلسطينيين يقوم على قانونين إسرائيليين، هما.. قانون أملاك الغائبين، وقانون الأمور القانونية والإدارية لعام 1970، وكلاهما باطلان لأنهما يمنعان الحق عن أصحابه.

في العام الماضي 2020 أجرى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، مسحا كشف عن قيام السلطات الإسرائيلية برفع دعاوى إخلاء ضد ما لا يقل عن 218 أسرة فلسطينية في القدس الشرقية، بما فيها أسر في حي الشيخ جراح، معظمها كانت بمبادرة من جمعيات استيطانية، ما يعرض 970 شخصا بينهم 424 طفلا لخطر التشرد.

الشاهد أنه حين انطلقت دعوات السلام الإبراهيمي، قلنا إنها فرصة تاريخية لتناسي الماضي، ومحاولة دعم الأشقاء الفلسطينيين في الداخل للحصول على حقوقهم التاريخية من خلال دفع إسرائيل في مدار السلام وترغيبها إليه بوصفه الطريق إلى قلوب وعقول الشعوب العربية، غير أن المشهد على هذا النحو يدعو للقلق، لاسيما حين تتعرض المقدسات الفلسطينية في مثل هذه الأوقات من شهر رمضان إلى اعتداءات، الأمر الذي يولد مرارات ويخلق عداوات مع القريب والغريب.

ولعله من المفيد للغاية أن يكون للولايات المتحدة الأميركية دور نزيه في نصح إسرائيل للتراجع عن مثل هذه التصرفات، فقد كانت واشنطن الضامن للسلام، كما أنها الدولة الوحيدة ذات التأثير القوي والفاعل على تل أبيب. الإخلاءات لن تفيد، بل ستعمق الخصام وتقلص من فرص السلام.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية