العدد 4584
الإثنين 03 مايو 2021
banner
البحرين رمز التسامح والتعايش
الإثنين 03 مايو 2021

لعل القيمة الأنفع الأرفع التي يحتاجها عالمنا المعاصر، لاسيما في هذه الأوقات المأزومة، هي قيمة التسامح، تلك التي تفتح الدروب واسعة أمام التعايش الإنساني الخلاق، وتتجاوز عقبات الكراهية، وقد عانى العالم منها بشكل كبير في النصف الأول من القرن العشرين، حين ارتفعت رايات العنصرية، وتعالت صيحات القومية، وهو ما يحاول البعض أن يكرره مرة جديدة، شرقا وغربا، سواء تمثل ذلك في حركات يمينية متطرفة، أو أصوليات متشددة تؤمن بفكرة الحق المطلق، ولا تؤمن بحق الآخر في الحياة.

ومثلت البحرين ولا تزال منارة للتعايش والتسامح منذ زمن بعيد، وهذا بشهادة الكثيرين من كل أنحاء العالم، وهو الأمر الذي أكده صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة خلال الأيام القليلة المنصرمة، وعلى هامش الفعاليات الرمضانية التي استقبل فيها جلالته عددا من علماء الدين الأفاضل.

التسامح والتعايش بحسب جلالته قيمة إيمانية وقرآنية حقيقية عميقة، لا يمكن للأصوات النشاز والمتطرفة أن تلغيها أو تختصم من وجودها، والآيات المحكمات التي تتناول شأن الأخوة والإنسانية أكثر من أن تعد في السور القرآنية.. يؤكد جلالته على الدوام أن البحرين ستبقى دائما وأبدا تحتضن الجميع، بشراكة روحانية عالية وغالية، وبتسامح يعد نموذجا للتواصل الإنساني، ما يجعل من البحرين مملكة تفاخر وتجاهر بنموذج في الوصل والتواصل بين البشر، ولتصبح نقطة مضيئة "خليجيا وشرق أوسطيا"، تجمع ولا تفرق، تشرح ولا تجرح.

قبل أن ينصرم شهر أبريل الماضي، كان البابا تاوضروس، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، يستقبل سعادة سفير دولة البحرين في القاهرة، السفير هشام بن محمد الجودر، والمندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية، وذلك في مقر البابا بمنطقة العباسية وسط العاصمة المصرية القاهرة، خلال اللقاء جاءت شهادة البابا الذي يمثل الرئيس الروحي لأكبر جماعة مسيحية شرق أوسطية، من حيث العدد، للبحرين وملكها على أروع ما تكون الشهادة، وبما يؤكد مصداقية ما نشير إليه في هذه السطور.

في هذا اللقاء، ثمن البابا تاوضروس العلاقات المتميزة التي تجمع بين البحرين ومصر، وموقف المملكة الرائد في دعم وتأييد أمن واستقرار مصر، مشيرا إلى أن العلاقات بين البلدين الممتدة عبر عقود تتمتع بخصوصية شديدة من التعاون المثمر والتنسيق المستمر. البابا القبطي الأرثوذكسي، أشاد كذلك بدور جلالة الملك حمد بن عيسى، في إرساء دعائم السلام والتسامح والمحبة والتقارب بين الأديان، مؤكدا أن مملكة البحرين تقدم منذ عقود طوال خلت، نموذجا فريدا في إعلاء قيم التسامح والتعايش السلمي بين كل الأديان والأجناس، دون تمييز أو تفرقة.

يدرك القاصي والداني المحبة التي يكنها جلالة الملك حمد لمصر والمصريين، والعلاقة القلبية التي تجمعه بفخامة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ولعل شهادة من القلب يبوح بها صاحب هذه السطور، تجلت من خلال متابعة جلالة الملك حين يشارك في أية فعاليات مصرية عالمية، إذ يراه المرء ليس بوصفه ضيفا يشارك كبقية الضيوف، بل كصاحب عرس أصيل، يقوم بنفسه باستقبال الضيوف الآخرين، ما يجعل مكانته في قلوب وعقول المصريين عالية وغالية.

جاءت تصريحات سفير البحرين في القاهرة هشام بن محمد الجودر، لتؤكد عمق العلاقات الأخوية والروابط العضوية بين المملكة ومصر، وأواصر الصداقة التي تربط بين المملكة والكنيسة القبطية المصرية في ظل إعلاء روح التسامح بين المسلمين والمسيحيين، مشيدا بالدور الوطني للكنيسة المصرية كعنصر فاعل ومهم في نسيج الدولة المصرية.

ولعل من يقرأ في كتاب "لسان العرب" لابن منظور، يجد كم أن كلمة التسامح وما يدور حولها من مفاهيم، ثرية المعاني، فالفعل مشتق من سمح، والسماح والمسامحة: الجود والعطاء عن كرم وسخاء، وليس تسامحا عن تنازل أو منة، والمسامحة: المساهلة، وتسامحوا: تساهلوا، لأن "السماح رباح"، كما جاء في الحديث الشريف، بمعنى أن المساهلة في الأشياء تريح صاحبها. وتقول العرب "عليك بالحق فإن فيه لمسمحاً، أي متسعا، فالتسامح حق يتسع للمختلفين، وعموما يستخدم التعامل مع كل ما لا يوافق عليه، ويصبر عليه، ويجادل فيه بالتي هي أحسن، ويتقبل وجوده بوصفه حقا من حقوق المخالفة، ولازمة من لوازم الحرية التي يقوم عليها معنى المواطنة في الدولة المدينة الحديثة. ولعل أبدع مشهد يكشف عن مساحة التسامح في النفس العربية قد جرت به أحوال التاريخ في الأندلس، حيث عاش العرب والمسلمون قرابة الخمسمئة عام، دون نفي أو عزل، وبلا إبعاد أو إقصاء للآخر، وعندما سقطت دولة الموحدين، فضل يهود الأندلس الرحيل مع المسلمين إلى بلادهم، وعاشوا في بلاد المغرب العربي وسط المسلمين، وامتد بهم المقام في أرجاء العالم العربي، في دمشق وبغداد، وفي القاهرة والقيروان، تحت ظلال من التسامح الحقيقي.

الخلاصة: التسامح والتعايش، الحل لمواجهة أزمات عالمنا المعاصر.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية