العدد 4577
الإثنين 26 أبريل 2021
banner
قمة المناخ واستنقاذ كوكب الأرض
الإثنين 26 أبريل 2021

هل جاءت قمة المناخ التي دعا إليها الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، لتنقذ الكوكب الأزرق في الساعة الحادية عشرة من زمن الاضطراب المناخي، والذي رأى البعض أنه يقترب بالإنسانية من يوم القيامة الإيكولوجي إن جاز التعبير؟ لعل أفضل قرار أقدم عليه الرئيس الأميركي في الأيام الأولى لولايته، عودة بلاده إلى اتفاقية باريس للمناخ التي انسحب منها سلفه دونالد ترامب، ذاك الذي نظر لبلاده من منطلق فوقي، أميركا أولا وقبل الجميع، وربما كاد يصرح بأنها فوق الجميع، وفاته أن الكوكب المتألم، والطبيعة المحتقنة، لن توفر أحدا من ثورتها، إن لم تصل الأمور إلى الانتقام من البشرية، ويخشى المرء أن تكون قد وصلت بالفعل.

في كلمته أمام نحو أربعين رئيس وقائد دولة، تعهد بايدن بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الولايات المتحدة بنحو 52 % من مستويات عام 2005 بحلول سنة 2030، ومن خلال هذا الهدف الجيد تأمل واشنطن أن تحفز الدول الأخرى على زيادة طموحها لمكافحة تغير المناخ.

هل ما ينويه بايدن أمر يسير؟ الذين عندهم علم من كتاب الأنماط الصناعية في الولايات المتحدة الأميركية، يدركون أن النوايا الطيبة لبايدن، حكما سوف تصطدم بعقبات كبيرة على الأرض، لاسيما أن أنصار لوبي الفحم من القوة والمنعة بشكل كبير ونافذ في كل مناحي الحياة السياسية الأميركية، بل يصل نفوذهم إلى قلب الكونجرس بمجلسيه.. لكن ما العمل والأرض تئن والاحتباس الحراري يكاد يضحى قنبلة موقوتة على وشك الانفجار في الجميع؟

يحاجج أنصار البيئة ومنهم العالم البريطاني الشهير، "ديفيد أيتنبار"، بأن سيناريو اصطلح على تسميته بـ "يوم القيامة" قد يكون قريبا جدا، وأن الحضارة البشرية ذاهبة نحو الانهيار، وهناك جزء كبير من العالم البيئي سينقرض، في حال لم يتم اتخاذ خطوات فعلية للتعامل مع الاحتباس الحراري.

يحار المرء تجاه أي تقرير دولي أو استخباري يرتكن إليه في تقدير الموقف بالنسبة لما تنتظره أحوال المناخ وتغيرات الطبيعة في العقود الثلاثة القادمة أول الأمر، وبالوصول إلى نهاية القرن الحادي والعشرين، غير أنه يمكن في سطور قليلة الإشارة إلى ما يسمح به المسطح المتاح للكتابة، عبر أكثر من سيناريو.

بداية يتوقع العلماء أنه في عام 2030 وإن لم يقم البشر بخطوات جدية وجذرية، حقيقية لا وهمية، فإن معدل انبعاثات غازات الدفيئة ستصل إلى ذروتها، وحتى لو توقفت المصانع عن استخدام الوقود الأحفوري، فإن درجة حرارة الكرة الأرضية ستكون قد ارتفعت بنسبة 4.5 درجات.. ماذا يعني ذلك؟ باختصار، ستتحول الكرة الأرضية إلى خيمة مغلقة من كل الاتجاهات، فلا أشعة ضارة ستضحى قادرة على الخروج، وغيرها نافعة لن تصبح قابلة للوصول إلى سطح الأرض، وبينهما ستذوب جبال الثلوج في الأقطاب، ما يؤدي إلى ارتفاع منسوب مياه البحار بمقدار 1.6 قدم، بحلول عام 2050، ويقدر أن يصل الارتفاع إلى 10 أقدام عام 2100.

لن توفر البيئة الغاضبة على البشرية ما تحت سطح المياه، ففي غضون 30 عاما من اليوم ستنهار الأنظمة البيئية المرتبطة بالشعاب المرجانية والغابات المطيرة في الأمازون، وبالتالي تتضرر نشاطات الصيد ومعدلات الأمطار، ولعل إحدى النتائج المثيرة للهلع جراء ما يطرأ على "أمنا الأرض"، من تغيرات مخيفة، أن مليار نسمة على الساحة العالمية سيعانون من نقص المياه، وستتراجع معدلات إنتاج الطعام بمقدار الخمس، بسبب الجفاف وموجات الحرارة العالية والسيول والعواصف التي تؤثر على المحاصيل.

أحسن الرئيس بايدن حين تحدث عما أسماه "الواجب الأخلاقي والاقتصادي"، الذي تمثله عملية مكافحة التغير المناخي، ذلك أن فكر الرأسمالية المتوحشة، ودروب مراكمة الثروات، لن يفيد القاصي والداني في اليوم التالي للانفجار البيولوجي من قبل طبيعة أهانها البشر فتمردت عليهم.

هل طريق استنقاذ الكرة الأرضية شيء هين ويسير؟ بالقطع ليس كذلك على الإطلاق، وأول ما يحتاجه توافر النوايا القلبية، والطوايا السياسية، بين المتشارعين والمتنازعين شرقا وغربا، ومن ثم التعاون بأسرع ما يمكن لتجنب القدر المحتوم.

يخشى المرء من أن يجيء يوم يكتب فيه التاريخ تعبير "الراحل كوكب الأرض"، إن لم تستطع الجهود الحثيثة توفير صناعات صديقة للبيئة، تجعل درجة انبعاثات الغازات الضارة صفرا.

حسنا أظهرت الصين استجابة سريعة للمشاركة في القمة التي دعا إليها الرئيس بايدن، وإذا أخذنا في عين الاعتبار أنها الدولة المشاركة بأكبر نسبة غازات دفيئة بعد الولايات المتحدة، فإنه سيتحتم عليها إظهار خطوات عملية حقيقية مماثلة لما التزمت به واشنطن.

استنقاذ كوكب الأرض لا يتوقف على واشنطن وبكين فحسب، بل على بقية دول العالم، لاسيما أن قارب البشرية في خطر، فإما النجاة معا أو الغرق سويا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .