يتمحور الجدل الدائر الآن في الولايات المتحدة منذ مقتل جورج فلويد، المواطن الأميركي من أصل أفريقي على يد رجل أبيض، حول الدوافع العنصرية لمثل هذه الحوادث؛ وازداد هذا الجدل تفجراً إثر اغتيال مواطن آخر من نفس الأصل من قِبل الشرطة بالرصاص بعد فترة قصيرة من الحادثة الأولى.
ورغم إقرار الرئيس جونسون الحقوق المدنية للسود عام 1964؛ فإن حوادث القتل من هذا القبيل والتي يتورط فيها شرطة بيض أضحت متواترة ومعتادة، بل تفاقمت منذ ثلاثة عقود، ولما أضحى نفي البُعد العنصري في ارتكابها ضرباً من العبث، لاسيما في ظل ندرة وجود ما يماثلها بحق المواطنين البيض؛ فقد اضطر الرئيس ترامب إزاء الاحتقان غير المسبوق في الشارع للتوقيع مؤخراً على مرسوم لإصلاح محدود في جهاز الشرطة بعد أن وجد هذا المطلب الذي تم الترويج له مسبقاً كعلاج مهدئ موضعي استطاع أن يستقطب أعدادا غير قليلة من السود.
على أن علاج علة العنصرية من جذورها في واقع الحال لا ينحصر في إصلاح القوانين أو جهاز الشرطة مادامت ثمة مواريث ثقافية فكرية مديدة منذ قرون لم يجرِ اجتثاثها وما فتئت تعشش رواسبها بقوة في ذهنية وروح شريحة كبيرة من البيض داخل المجتمع والدولة على السواء، والأخطر فيها كون الأخيرة صاحبة اليد الطولى في صناعة القرار.
ومع أن حل هذه المشكلة من جذورها يتطلب حلاً توافقياً شاملاً يكفل تحقيق الحد الأدنى من المساواة الاجتماعية في المواطنة للسود والبيض معاً في مختلف الحقوق؛ لا إنهاء التمييز العنصري إزاء السود فقط، فإنه لا صحة لتشبيه اللحظة الراهنة التي يمر بها النظام الأميركي بالنظام السوفييتي عشية سقوطه مطلع التسعينيات، فمازالت الرأسمالية تمتلك ديناميات في القدرة على تجديد نفسها، وبالتالي يظل تجذير الإصلاح الخيار الواقعي الأفضل لهذه المرحلة.