العدد 4218
السبت 02 مايو 2020
banner
د. محمد رضا منصور بوحسين
د. محمد رضا منصور بوحسين
الآثار القانونية لوباء كورونا على "عقود العمل" والشركات ودورغرفة التجارة والصناعة
السبت 02 مايو 2020

أدى انتشار وباء "كورونا" إلى قيام السطات العامة باتخاذ العديد من الاجراءات الاحترازية حفاظا على حياة الانسان، ومن بين هذه الاجراءات غلق العديد من المحلات التجارية ووقف بعض المشروعات ووقف حركة الطيران، مما أدى إلى التأثير مباشرة على حركة القوى العاملة والعمل في القطاعين العام والخاص. قامت الدولة بإدارة هذه الأزمة وللتخفيف من آثارها الاقتصادية والمعيشية بدفع رواتب المواطنين في القطاع الخاص لمدد محددة، واتخذت حزمة من الاجراءات الأخرى لدعم المقيمين والعاملين.

إن هذه الاجراءات قد أثرت على جميع القطاعات في القطاعين العام والخاص وأطراف العلاقة، فالشركات قد تأثرت والعاملين أيضا تأثروا لانقطاعهم عن العمل، وهذا التأثير الشمولي يدعو إلى التضامن والتكافل بين أطراف العملية الانتاجية فخسارة الشركات يترتب عليها خسارة العاملين لمصادر أرزاقهم، وخسارة العاملين في المقابل تعني خسارة أدوات الانتاج الفعالة في الشركة والمصنع.

تمر علاقات العمل في هذه المرحلة بأسوأ اختبار لقياس التضامن والولاء، وأن الحلول القانونية مهما كانت طبيعتها يجب ألا يغيب عنها ضرورة إظهار التكافل والتضامن بين الطرفين في هذه الفترة الزمنية الحساسة وتأكيد الولاء لمصادر الرزق والعمل على المصلحة المشتركة للطرفين ودعم الاقتصاد الوطني .

هناك العديد من التساؤلات والنتائج القانونية المترتبة على هذا الحدث بين أطراف علاقات العمل، فهل يستحق العامل كامل أجره؟ وهل يجوز لرب العمل خصم مستحقات العامل عن فترات الغياب المبررة؟ وهل تنقطع علاقة العمل بالنسبة للعاملين الأجانب الذين يقضون فترة إجازتهم بالخارج ولم يتمكنوا من العودة بسبب عدم وجود طيران وغلق المطارات، جميعها إثارات تم طرحها من العديد من الشركات على مكتبنا في هذا الخصوص.

هل يستحق العامل كامل أجره ؟

بخصوص العاملين المتواجدين أثناء هذا الحدث بالبحرين سواء أجانب أم بحرينيين، فان المادة (43) من قانون العمل رقم ( 36 ) لسنة 2014  جاءت جهيرة في بيانها حيث تنص: ".. أما إذا حضر العامل وحالت بینه وبین أداء عمله أسباب قھرية خارجة عن إرادة صاحب العمل استحق نصف أجره "

وبذلك، فأي عامل حضر إلى مكان العمل وحال بين أداء عمله أسباب لا ترجع لإرادة رب العمل فلا يستحق العامل عنها إلا نصف الأجر، أما في حالة عدم حضوره فمن الطبيعي أنه لا يستحق أجرا .

أما العمال الأجانب الذين يقضون اجازاتهم ببلدانهم ولم يستطيعوا العودة إلى البحرين بسبب منع الطيران واغلاق المطار، فمن المسلم به أن المتغيب عن العمل حتى ولو كان بإذن لا يستحق راتباً أو مقابلاً من أي نوع عن أيام تغيبه.

أما إذا كان هذا المتغيب باشر في بلده أي عمل بتكليف من الشركة في فرعها في بلد العامل، أو في حالة ما إذا باشر وفق مقتضيات عمله – في البحرين – (عن بُعد) بأية وسيلة إلكترونية، ففي مثل تلك الحالات يستحق العامل أجراً ومقابلاً لما يقوم به من عمل لصالح الشركة.

هل عقود العمل ملزمة في هذه الأوضاع؟

بينت المادة 110 من قانون العمل على ثلاث فرضيات وهي: الاغلاق الكلي والاغلاق الجزئي او استبدال نظام الانتاج، ونصت على أنه: "يجوز لصاحب العمل إنھاء عقد العمل بسبب إغلاق المنشأة كلیا أو جزئیا أو تقلیص حجم نشاطھا أو استبدال نظام إنتاج بآخر بما يمس حجم العمالة، على ألا يتم إنھاء العقد إلا بعد إخطار الوزارة بسبب الإنھاء قبل ثلاثین يوما من تاريخ إخطار العامل بالإنھاء.. "

لم يشترط القانون في هذه الحالة سوى إخطار وزارة العمل خلال 30 يوما من تاريخ اخطار العامل بالانهاء، وقد جاء النص عاماً صريحاً في الدلالة على المراد منه فلا محل لتقييده أو تخصيصه أو تأويله، إذ في ذلك استحداث لحكم مغاير لم يأت به النص عن طريق التأويل، كما أنه لا يجوز تفسير النصوص إلا في حالة غموض عبارتها عن بيان مقصود الشارع منها أو وجود لبس فيها.

هل يحق لصاحب العمل، إعطاء إجازة للعاملين لتخفيف التكاليف ؟

لا يمنع القانون قيام رب العمل بمنح العاملين لديه إجازات مدفوعة الأجرة كاملة مع إعفائهم من الدوام، لا سيما إذا اضطرت المنشأة للإغلاق، وكان رب العمل يرغب في الاحتفاظ بعماله، فهو حينئذ يكون ملزماً بمنح عماله رواتبهم كاملة.

كما يجوز له منح العمال إجازة بدون مرتب خلال فترة تعطل العمل في المنشأة ووقف أنشطتها، إعمالا لنص المادة (130) من القانون المدني، أو دفع نصف الأجر إعمالا لنص المادة (43) من قانون العمل ويطبق أيهما وفقا لظروف وملابسات كل حالة، إلا أنه لا يجوز خصم تلك الإجازات الاستثنائية للظروف الصحية التي تمر بها البلاد من رصيد الإجازات السنوية للعامل.

هل من الممكن الاستناد إلى قواعد الظروف الاستثنائية والقوة القاهرة لوقف سريان عقود العمل، وعدم صرف رواتب العمال ؟

الأصل، أنه لرب العمل السلطة المطلقة في إدارة منشأته، وتنظيم العمل بها على الوجه الذي يحقق مصلحته، ولا وجه للحد من سلطاته في ذلك كله متى كانت ممارسته لها مجردة عن أي قصد في الإساءة لعماله.

فمتى كان النص عاماً صريحاً، فإنه لا محل لتقييده أو تخصيصه أو تأويله وفقا لما تم بيانه سابقا، وإزاء خلو قانون العمل من نص ينظم حالة الظروف الاستثنائية والقوة القاهرة فيمكن تطبيق حكم المادة (130) من القانون المدني باعتباره الشريعة العامة،  بسبب خلو قانون العمل من نص ينظم تلك المسألة، وقد طبق القضاء العديد من الأحكام في هذا الخصوص.

قانوناً، يشترط لانقضاء الالتزام أن يكون تنفيذه مستحيلاً استحالة دائمة مطلقة بالنسبة للكافة، فإن لم يكن من المستحيل تنفيذ الالتزام استحالة مطلقة، فإنه ينتفي القول بانقضاء الالتزام حتى ولو كان مرهقاً له، وإنما يجوز وقف عقد العمل مؤقتا حتى زوال الحدث.

وما يؤكد صحة تطبيق المادة (130) مدني، هو وجود نص المادة (150) من قانون العمل المتعلقة بعقد العمل الجماعي حيث أوجبت في حالة الظروف الاستثنائیة أو القاهرة التي تجعل من تنفيذ العقد مرهقا اللجوء للتفاوض لتحقيق التوازن بین مصلحة الطرفين أو إحالة الأمر للجنة تسوية المنازعات.

 

أن غرفة تجارة وصناعة البحرين هذا الكيان العريق الذي كانت له محطات في مواقفه التاريخية وتحمله أعباء حماية القطاع الخاص بكافة موكوناته واجتهاده بتقديم كل ما هو مميز ويتناسب مع واقع ألاقتصاد البحريني، لعلها اليوم تتصدى بجدارة بتوظيف افضل ما عندها من خبرات وممارسات ورؤى لتطبيقات اقتصادية وقانونية هامه في هذه المرحلة، واتخاذها موقفا لحماية الشركات والقطاع الخاص من خلال ابتكار الحلول والبرامج القادرة على تحفيز الاقتصاد اثناء وبعد ازمة كورونا وهي بلا شك قادرة على ذلك بكل جدارة.

يقول المثل الانجليزي: "Failing to plan is planning to fail" أي "الفشل في امتلاك خطة هو في ذاته خطة للفشل"، مع تاكيدنا على تميز جهود الغرفة التى لا ننتقص من مكانتها، إلا أننا ننوه إلى أهمية دورها وأهمية قيامها بوضع خطة لمستقبل عمل الشركات بعد هذه المرحلة حيث ستتغير كل العناصر الاقتصادية ودرجات النمو الاقتصادي، وهو ما يدعو إلى وضع خطة لاستمرارية العمل أثناء هذه الفترة وبعدها، على أن تأخذ بعين الاعتبار تغير هيكل الوضع الاقتصادي للقطاع الخاص بعد هذه المرحلة، ولعل انشاء صندوق ضمان يعمل على وضع الخطط الاقتصادية الاستراتيجية للقطاع الخاص بعد انتهاء الأزمة لأن ما بعدها سيكون الهيكل والنمو الاقتصادي مختلفا كما ونوعا عما كان قبل ذلك وفق ما يتنبأ به الاقتصاديون، وأن تضع  خطة تنظيمية شاملة تتضمن ثلاثة عناصر: (1) إدارة الأزمة (CM): (2) استمرارية العمل (BCP): (3) خطة التعافي والانتعاش بعد الأزمة (RP) لتمكن القطاع الخاص بفاعلية من الاستمرارية بالعمل بعد الحدث وفق المعطيات الاقتصادية القائمة بعد هذه المرحلة، وأن تقوم باختبار الخطة مرتين على الأقل كل عام لتقييم وقياس النتائج من الناحية الفنية والمالية وكشف أي فجوات وقصور خلال التطبيقات للخطة، باعتبار أن جدول الاختبار هو الجزء الأكثر أهمية في أي خطة وكشف مدى فاعليتها، وكلما كان الاختبار أكثر شمولا كلما نجحت الشركات في الوقوف على أقدامها واعادة الجميع إلى أقدامهم بشكل أسرع.

أهمية القيام بانشاء صندوق التكافل الاقتصادي – لحل مشكلة التكاليف المالية الثابتة في ظل عدم وجود إيرادات – لأصحاب التراخيص الفردية والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والشركات. إلى جانب ذلك، فان منظور الهيكل والمنظومة الاقتصادية بعد وباء كورونا سيكون مختلفا في العديد من تفاصليه وهو ما يتطلب من الغرفة إعداد خطة استراتيجية للقوى العاملة في القطاع الخاص وفق قطاعاته المختلفة، بما يؤدي إلى تعزيز نمو الاقتصاد الوطني. ويتطلب ذلك ليس فقط وضع الخطة وانما يحتاج إلى إعادة النظر في العديد من التشريعات ذات العلاقة، فالمرحلة القادمة مرحلة العالم الرقمي وواقع اقتصادي كشفت ثغراته جائحة كورونا بما يتطلب وضع الأسس والضوابط لاعادة التوازن الاقتصادي وخدمة الأمن الاجتماعي والاقتصادي الوطني.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية