+A
A-

عبدالله يوسف..المخرج الذي حقق تقدما في شعبية المسرح بالنظريات المختلفة

يقول لطفي فام في كتابه الجميل" المسرح الفرنسي المعاصر" ..جاء المخرج أنطوان ينادي بالعمل الجماعي على خشبة المسرح ليرد إلى الممثل المفهوم السليم لفنه والى الجمهور الاحساس الأصيل بالأعمال المسرحية الكبرى و كيفية تذوقها"

ويقول في جانب أخر ان الاديب القصصي اندريه جيد القى محاضرة في بركسل سنة 1940 عن تطور الفن المسرحي قال فيها :

"ان السبيل الى انقاذ المسرح من خطر سرد الأحداث الطويلة المعقدة، هو أن تفرض عليه بعض القيود ، كما أن السبيل إلى جعل المسرح يزخر بنماذج عدة من الشخصيات هو تنحيته بعيدا عن الحياة اليومية والواقعية ،ولعل هذا أوضح تعبير للفكرة التي تنادي بضرورة العودة إلى المفهوم الكلاسيكي للمسرح الفرنسي في القرن السابع عشر ، مما يرد المسرح الى روح النظام والخضوع للقواعد الفنية ويوجهه إلى الطريق السليم بدلا من تركه يتخبط في محاولات هزيلة اشبه بالتعليم السقيم على قصص مألوفة".

يمكنني ان أقول ان  الاعمال المسرحية التي اخرجها المخرج والفنان البحريني الكبير عبدالله يوسف، تهدف بشكل أساسي التي التربية الإنسانية والأخلاقية، وتجربته تستحق الوقوف امامها طويلا لأنها عمل فني تقدمي جرئ. عبدالله يوسف مخرج مخضرم اكتشف ان صيغ المسرح التقليدية باتت مضجرة وشديدة الحرفية والاعتماد على التقنيات وانها بدأت تفقد المسرح طابعه الاحتفالي الأصيل، ومن هنا انطلق بالنظريات المختلفة والعروض التي تعيد للمسرح شعبيته واتصاله بالناس ، والمزج بين الفكرة والعاطفة كما في مسرحية " البراحة"، حيث استطاع المخرج عبدالله يوسف ان يوسع آفق الاطار الدرامي للشخصيات التي كتبها ورسمها المؤلف الكاتب القدير عقيل سوار، وأيضا استطاع ان يخلق شخصيات نموذجية ذات مواصفات عالية.

في مسرحية " البراحة" استطاع عبدالله يوسف ان يحقق تقدما في " شعبية المسرح" ويدفع بها للتطور والبحث عن صيغ جمالية مسرحية جديدة، وبالرغم من اشتراك بعض الممثلين الأكثر شهرة وكفاءة فيها من أمثال الفنان الراحل جاسم شريدة، والفنان إبراهيم البنكي، والفنان محمد البهدهي، والفنان إبراهيم الغانم ،والفنان عبدالله وليد، وغيرهم، إلا أن النجاح الحقيقي للعمل من وجهة نظري هو مقدرة المخرج عبدالله يوسف وبراعته في إيجاد الحلول الشكلية وخلق وسائل الابداع للمثل، ومشاهد جميلة يتذوقها الجمهور، فمسرحية " البراحة" كانت مصحوبة بإمكانيات اخراجية متقدمة ولهذا السبب سجلت ارتفاعا في عدد المشاهدين اكثر من المسرحيات الأخرى في تلك الفترة.

في مسرحية " بنت النوخذة" والتي قدمها مسرح اوال في أكتوبر عام 1986 وهي أيضا للكاتب عقيل سوار، اوجد المخرج عبدالله يوسف أنماط مسرحية جديدة من شأنها جذب الجمهور المستعد أصلا لتقبل المسرح، وذلك بتقديمه الاحداث بشكل اكثر انسيابية واثارة وجمع بين كافة عناصر العمل المسرحي ووحدها في تركيب متناسق واحد، ولعل النقطة المهمة التي يجب ذكرها في تجربة عبدالله يوسف المسرحية هي عدم النزوع الى الذاتية الخالصة او الانفرادية الفنية، بمعنى احترامه لوجهات نظر الكاتب في امانة بالغة ، وفي الغاء لكل مظهر من مظاهر دكتاتورية المخرج، ومن الواضح كذلك ان عبدالله يوسف وخلال مسيرته الفنية الطويلة كان يعشق نوعية المسرحيات التي تتيح فرصة لمهنة الإخراج بأن تظهر وتضيف جديدا، او المسرحيات التي تتطلب نوعا من التقنية والجدية، وللتذكير فإن عبدالله يوسف شارك كممثل في مسرحية " بنت النوخذة" في دور مهدي، الى جانب مجوعة كبيرة من الفنانين منهم أحلام محمد، محمد عواد، جاسم شريدة،محمد البهدهي،جاسم الصايغ، محمود الملا،حسن الواوي، سالم سلطان،يحي عبدالرسول،، جعفر الحايكي وجاسم مبارك، واحمد عيسى وعبدالنبي حميد.

أما في مسرحية " وجوه" والتي اعدها واخرجها عبدالله يوسف، فقد استطاع ان يسيرها في خط تصاعدي بناء،تماما كبناء العمارات الشاهقة واوجد فيها تعبيراته الخاصة ، لاسيما وان النص كان للشاعر الكبير قاسم حداد، والمشروع الفني برمته كان يحتاج الى منهج علمي في نظام واحد على اعتبار انه كان الأول على مستوى الوطن العربي" شعر، موسيقى، تشكيل، مسرح" ووصل الى القمة الفنية، ولا حاجة لذكر ما كتب عن هذا العمل في مختلف الصحافة العربية.

مسرحية " وجوه" كانت بمثابة حياة صعبة تحتاج الى وجهات نظر عجيبة، ونجح المخرج عبدالله يوسف في تحقيق الذات الفنية لهذا العمل المتميز ببصيرته المتفتحة وعبقريته الاخراجية، وكما يقول المخرج الفرنسي " جاك كوبو" :

"أننا نفهم  الإخراج المسرحي على أنه رسم الحركة المسرحية وتخطيطها، فهو يمثل مجموع الحركات والسكنات او طريقة الوقوف والتحرك، كما يشمل التناسق بين سمات الوجوه والأصوات والصمت، أي أن الإخراج هو مجموع المنظر المسرحي بمختلف أساليبه والوانه، وينبعث هذا كله من فكر واحد هو فكر المخرج ، يعده، وينظمه ثم يوزعه في تناسق وانسجام ، كما أن المخرج يفسر بصورة، مجسمة ما يقوله المؤلف ، ويبتكر كل شيء لم يذكره المؤلف".

عبدالله يوسف، قواعد اخراجية منضبطة، وليس مجرد مخرج مسرحي عابر في تاريخ المسرح العربي المعاصر.