العدد 4130
الثلاثاء 04 فبراير 2020
banner
غريب هذا العصر الذي كثرت فيه المقابر المجانية
الثلاثاء 04 فبراير 2020

من الظواهر التي تدعو إلى التأمل كثرة اللقاءات والاتفاقيات الدولية من أجل ازدهار السلام والسلم، وفي الوقت نفسه تكثر مشاكل العالم وتشن مختلف الحروب تحت مسميات مختلفة، وتطبق سياسة الاحتواء الخبيثة والانتكاسات الرجعية، وتتم بصورة فاضحة تقوية الأجنحة الإرهابية وكأني بالإنسان يوظف كامل عبقريته وتحضره من أجل الدمار والفناء، والتلذذ بالعيش في الإحباط والوجع واليأس ومسارات الكذب والنفاق والزيف.

غريب هذا العصر الذي كثرت فيه المقابر المجانية والتوترات ومحاولات إيجاد الفرقة بين الشعوب، وأصبحت الآفاق مفتوحة للإرهاب والانحراف، ونماذج الجرائم متعددة وتهب كالإعصار، تناقض شبه دائم يعيشه عالمنا، دول تلجأ إلى العنف وفي اليوم التالي تحتج ضد العنف في دولة أخرى، تشجع الاضطرابات في هذا البلد، وترفضها في بقعة ثانية من العالم، دول تقف في قفص الاتهام، ودول أخرى تعطيها مساحة كبيرة من الحق والمنطق وتبرر جرائمها بكل فخر واعتزاز.

هل يمكننا أن نسمي هذا الزمن بزمن الضياع والاستلاب والانسحاق، زمن المظاهر الفاجعة والمخزية والسواد والتشاؤم، العالم يعود للانطواء إلى “الداخل” هربا من جحيم البشر وكل شيء باطل وقبض الريح وحصاد الهشيم، أحاسيس عنيفة جامحة وأناس تكره الحب والخير وتهرب مذعورة من كلمة السلام والأمن. أشعر في بعض الأوقات أن العالم يظل مصمما على الرفض والتحدي حتى آخر لحظات حياته... رفضه سلوك البشر الغريب والاستغراق العميق في الكذب وسقوط القيم والاستبداد والاستغلال، والقلق على المصير الإنساني كما يقول مارك تويني.

يقول الفيلسوف باسكال “العالم الحاضر رمز على العالم الباقي”، فإذا كان عالمنا الحاضر بهذه العبثية والرعب والدهشة والفجيعة، فذلك يعني أن البشرية تعيش الفراغ الروحي الموحش كما القبر المظلم، ومعضلة كبرى أن تعيش بدون طمأنينة بين غابات البشر، وكما يقول “كولن ويلسون”، العالم الذي نعيش فيه أشبه بظلمة الزنزانات.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .