+A
A-

بالصور: أفاعي وعقارب ووحشة بمقبرة السيارات في عسكر

ذات يوم، وحينما انتهى "أمين" من تناول وجبة الغداء، أراد التمدد على سريره في غرفة السكن بأحد "سكرابات عسكر" ليأخذ قسطًا من الراحة، ومن حسن حظه أنه تنبه لوجود "حركة" و "خرخشة" أسفل السرير، ليكتشف أن "أفعى" دخلت الغرفة، فتعاون مع زملائه على قتلها.

أول ما ينتابك من شعور وأنت تتنقل بين مواقع السيارات القديمة أو الملغية، سواءٌ في منطقة عسكر خلف ألبا أو في المنطقة الصناعية بمدينة حمد، هو شعور الوحشة.. هو ذات الشعور الذي ينتاب الناس في المقابر!، فتلك المواقع، المسماة شعبيًا بالكجرات أو السكراب، مشاريع تجارية يؤمها الكثير من الناس بحثًا عن قطع الغيار غير المتوفرة أو المتوفرة باهظة الثمن، ومنها يسترزق مئات الآسيويين لقمة عيشهم.

فيصل الباكستاني

عدسة "البلاد" تجولت في السكراب، والتقت بـ "فيصل"، وهو باكستاني الجنسية، جاء  إلى البحرين قبل خمس سنوات للعمل في ورشة لتصليح السيارات، لكن كفيله نقله للعمل في منطقة السكراب، ويتذكر أول مرحلة من انتقاله للعمل والعيش في ذات المكان، وهي مرحلة صعبة للغاية من الناحية النفسية! فهو يقول أن ذهاب وإياب الزبائن فترة العمل مبشر ويدر ربحًا لا بأس به، إلا أنني كنت أشعر بالكثير من تأثير المكان الموحش، لا سيما في المساء بعد انتهاء العمل، ومهما يكن من أمر، فأنت (بشر) وتحتاج (للعشرة الاجتماعية)، بيد أن الأمر سار على سجية التعود، فأنا واثنين من زملائي العاملين معي في السكراب، أصبحنا نقضي طوال الأسبوع في العمل، ونخلد إلى النوم مبكرًا بعد يوم عمل شاق، وفي يوم الإجازة الأسبوعية، موزعة على الثلاثة منا، قد نذهب لزيارة الأصدقاء، أو التجول في سوق المنامة.

200 دينار

ولعل "أمين"، وهو أيضًا باكستاني الجنسية، يرى خلاف ما ذكره "فيصل".. وباختصار يقول :"جئت للعمل، فخلفي أسرة تنتظر لقمة العيش في بلادي.. لا يهمني الوضع والبيئة.. المهم أنني أحصل على راتب لا بأس به، يصل إلى 200 دينار، وصاحب السكراب مواطن بحريني طيب جدًا، فهو لا يقصر معنا في المكافآت وكذلك في الإجازات، وكما ترى، نحن أربعة عمال نعيش في مبنىً مشيد من الطابوق ويحوي مطبخًا وحمامًا بالإضافة إلى غرفة النوم التي تحوي جهاز تلفزيون ولاقط فضائي"، لكنه يقول أننا كبشر، بالتأكيد نشعر أحيانًا بالوحشة والحزن أو الإجهاد والمشقة، وليست هذه هي المشكلة الرئيسية، طالما أن لديك القدرة على التعود متوكلًا على الله سبحانه وتعالى.

منطقة صحراوية

وعن أصعب موقف مر عليهما في مقبرة السيارات تلك، فإن كلًا من (فيصل وأمين) يشتركان في قصة واحدة.. عندما هبت عاصفة رملية على البلاد واستمرت عدة أيام، أصبح السكراب بالفعل كأنه مرتع أشباح.. فلا زبائن ولا عملاء ولا أحد زارنا طوال ثلاثة أيام.. وكانت حمرة السماء وكثافة الغبار تشعرنا بأننا نحتضر اختناقاً، فالمنطقة صحراوية وهي في الأوضاع الطبيعية كثيفة الغبار، فما بالك وعاصفة رملية هادرة وثقيلة تحيطك من كل جانب؟ يضيف أمين متحدثًا لزميله فيصل :"هل تتذكر كم أفعى وكم عقرب قتلنا في غرفتنا؟"، ليشير إلى وجود هذه الآفات التي تجعلهم في حالة حذر دائم سواء أثناء العمل في الموقع أو لتأمين مكان إقامتهم والتأكد من أنهم لن يتعرضوا للدغة مميتة.

هناك، الصيف الحارق وسط أطنان من الحديد يصبح جحيمًا، وكذلك في الشتاء القارس ولا سيما عند هطول الأمطار بغزارة، لكن ماذا نفعل؟ هكذا يسأل (فينو) وهو عامل هندي الجنسية لم يعد يأبه لكل تلك الظروف في مكان عمله، طالما أن أجره يصله في وقته ويرسله يوم إجازته سريعًا لزوجته وأطفاله.

جدول الاجازة

ويخصص "أهل السكراب" جدولًا لإجازاتهم الأسبوعية، كما أنهم متفقون على نظام لتوفير المؤن والحاجيات التي تكفيهم لمدة شهر على الأقل، بالإضافة إلى توفير بعض الأدوية في حال صعوبة الوصول إلى الطبيب حال المرض، أما التواصل مع الأهل، فإن الهواتف الحديثة وفرت عليهم الكثير، فهم يتواصلون مع ذويهم عبر الواتس أب أو غيرها من برامج، وأصبح الهاتف جزءًا من السلوى للبقاء بالقرب من الأهل والأصدقاء في منطقة معزولة موحشة.