+A
A-

الحياة جميلة... ولكن!

المشكلة:

والدي العزيز الدكتور خالد العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

ترددت كثيرا وأنا أكتب إليك رسالتي، ولكنني لم أجد غيرك أبا عطوفا رحيما أستطيع أن ألجأ إليه لأحكي له مأساتي فيساعدني على حلها..

يا والدي العزيز لا تغضب عندما تعرف حقيقتي، فأنا بحاجة لأن تنتشلني من ضياعي وأحلامي المتكسرة، فأرجوك يا أبي ساعدني على مسح دموعي المنهمرة.

أنا فتاة جامعية محبوبة لدى الجميع، هذا على حد قول صديقاتي وأهلي، ولكنني صاحبة شخصية ضعيفة أو رومانسية عشت العديد من قصص الحب الفاشلة مع زملائي، كنت أنا من أبدأها وأعيش من الزمن دون أن يعلم الطرف الآخر شيئا، وتنتهي القصة لأعيش عذابا ما بعده عذاب، عشت هذا مرارا وتكرارا ولم أعتبر من أية قصة، ثم أحببت شخصا متزوجا، ولم أبح له بأي شي لكنه هو الذي فاجأني بعدها بمشاعره نحوي واعترف لي بحبه. دهشت.. فهو إنسان متزوج، فما الذي يدفعه إلى خوض مثل هذه العلاقة؟ تحاشيته رغم حبي له وابتعدت عنه كثيرا فزاد هذا من تعلقه وإصراره على اللقاء بي، بكيت وأنا أقول له إنه لا يعني شيئا لي لأنه كان كل شي. سارت الأيام لأضعف، فتوجهت مشاعري لحد لا يدركه العقل البشري، حققت له كل ما يرغب فيه.. لقاءات حميمة إلى همسات شاعرية لا تنتهي، فتطورت الأمور بيننا إلى درجة كبيرة ونسيت كونه رجلا متزوجا ومنحته كل شي، وان وصلت إلى الخطر إلا أنني لا أزال أحتفظ بأغلى ما تملكه الفتاة، وإن كنت خسرت الكثير من أعصابي وضاع قلبي وسط هذا الخضم الهائل من المشاعر اللامحدودة وهذا ما زاد الأمور سوءا، لأنني كنت غير قادرة على التحكم بمشاعري فبت كالمجنونة، وبعد فترة من هذا الشيء بات هو غير راغب فيه كما قال: إنسان متزوج ولنقتصر فقط على الصداقة من دون تلاقي..

شعرت بالانكسار، فقد تعلقت به كثيرا ولا أستطيع أن أنهي الموضوع هكذا وبكل سهولة، هو لم يبتعد عني بل بالعكس، عاد شاعريا كما في السابق، يحادثني بالهاتف ويبث لي لواسع قلبه وانه غير قادر على تحمل كل هذا ولكنه يرفض الزواج من دون نقاش.

أبي العزيز أرجوك لا تلمني أو تنعتني بالتهور، أرجوك أن تتحمل تصرفات ابنتك التي لن تجد غيرك لتكون معه صريحة إلى هذا الحد.. والدي أنا خائفة من الارتباط بأي شخص آخر على هيئة زوج، إذ لن أحمل له شيئا سوى جسد، أما الروح فقد انتهت بعد هذه الآلام جميعها، ماذا أفعل يا والدي؟ أنا بحاجة إليك فأرشدني لطريق الصواب، أرجوك لا تنصحني بالابتعاد عنه؛ لأنه روحي، وهل تفارق الروح الجسد؟ انتشلني فقط من كل الضياع، أرجوك لا تغضب يا والدي بعد كل ما عرفته عني.

 

د.  خالد إسماعيل العلوي

الحل:

ابنتي العزيزة “بنت الضياع الرهيب”. أسعد الله صباحك ومساءك بكل خير..

أولا أشكرك جزيل الشكر والتقدير بكل حب وعطف أبوي نحو ابنته، كما أشكرك على الثقة الكبيرة التي منحتني إياها ولا يسعني إلا أن أقول إن كان صدري متسع لك على الرحب والسعة، وقلبي مليء بالعطف الوالدي نحوك وآذاني لك صاغية فأنا معك قلبا وقالبا، وثقي تماما بأنني لن أكون قاسيا معك أو غاضبا مهما كانت أخطاؤك، ولكني سأكون الأب المتفهم والواعي والرحيم على ابنته التي أوشكت أن تكون قاب قوسين أو أدنى من هاوية الانحدار والدنو نحو الوقوع في كارثة عظيمة لو لا مشيئة الله سبحانه وتعالى وقدرته في حفظ وصون عباده في مثل هذه الكوارث المأساوية التي هي من صنع الإنسان نفسه، وعلى الرغم من ذلك نحمده ونشكره على كل حال.

قبل أن أبدأ بالرد على مشكلتك أطلب منك أن تكوني على أتم الاستعداد لتقبل التوجيه والإرشاد مني وأن تبادليني كابنة متفهمة تتحمل والدها مهما كان عتابه ولومه، فذلك من أجل المصلحة، لابد أن تتحملي وتستوعبي كل ما سأذكره حتى ما بين السطور؛ لكي تتضح لك معالم المشكلة دون تجاهل أي نقطة أو تجنب ما لا يعجبك من التوجيهات المعينة في صميم المشكلة ومضمونها العام التي قد تكون غير مناسبة لك من منظورك الخاص، فكوني واعية معي بذهن يخلو من كل الشوائب الزائفة وقلب مجرد من العواطف المخدوعة، ولتكن آذانك صاغية لي باهتمام خاص جدا وكوني في حالة استرخاء دون أي انفعال قد يشتت موازين قدراتك العقلية، وتخيلي أنك في جلسة إرشاد نفسي في صورة حوار طبيعي تواجهين فيه مرشدا نفسيا في غاية التفهم والمرونة.. هذا ما أرجو أن تكوني عليه الآن قبل البدء بتفاصيل فك الرموز ومحاولة الحل كتابيا.

ابنتي الفاضلة.. أهنئك أولا على هذه الصحوة الكبيرة ووعيك للمشكلة وإحساسك المرهف لما تعانين منه وما تتصفين به من سمات وخصائص.. إنها شفافية تمتازين بها لكونك فتاة جامعية ومثقفة وتبوحين بكل ما يخصك من أدق الأمور الشخصية التي هي غاية في الخصوصية، فإن دل ذلك على شي فهو نقاء وصفاء قلبك الأبيض المتسم بالصفات الحسنة وغاية الصدق والإخلاص..

هل تعلمين يا عزيزتي أنها صفة جميلة وممتازة ولكن للأسف هناك من يستغل هذه الصفات الطبية من البشر لأغراض شخصية بحتة ينال من خلالها كل ما يحلو له ويحقق رغباته الدنيئة مشبعا كل نزواته الشيطانية دون رحمة أو مشاعر إنسانية وغير مبال لمشاعر الطرف الآخر ضاربا بها عرض الحائط حفاظا على أنانيته ونرجسيته لأن تكون فوق كل الاعتبارات الأخرى.

عزيزتي، لقد كانت الطيبة التي تتصفين بها أول خيوط الوقوع في المشكلة وبداية المنافذ لتك الذئاب البشرية التي تاكل الأخضر واليابس دون رحمة أو عطف، حتى نال منك أحد هذه الذئاب بدهاء وخبث دون أن يشعرك بأنه يتلاعب بعواطفك، بل حاول أن يوهمك ويوقعك في فخ غرامه ممثلا دور العاشق الولهان والحبيب المخلص ببراعة وإتقان، وكل ذلك من أجل الوصول إلى غرضه.

ألا ترين ياعزيزتي أن أول الأخطاء الفادحة هو الارتباط به عاطفيا وأنت تعلمين أنه متزوج؟ يبدو لي أنك كنت متسرعة في الارتباط بأي شخص دون الاكتراث لمن يكون ذلك الشخص، ولعل السبب في ذلك رومانسيتك الشديدة فضلا عن فشل قصص حبك مع زملائك مع أن الكثيرين يمرون بتجارب فاشلة وعلاقات غير ناجحة ولكن هذا يدفعهم للتأني وعدم الاستعجال في الاختبار نتيجة استفادتهم من خبرات جيدة.

عزيزتي، إن تأسيس علاقة تهدف إلى الارتباط الزواجي بشخص لابد أنها تستحق اتخاذ القرار المناسب، وإن أدى إلى محاولات عديدة، فهذا أسلوب حضاري بشرط ألا ننسى تعاليم ديننا وتقاليد مجتمعنا، فالحياة لا تتوقف بمجرد انتهاء علاقة مهما كان نوعها أو طبيعتها، وإذا لم نوفق عبر هذه العلاقة وتلك فلابد أن يتحقق ذلك يوما ما مع الشخص المناسب الذي سيكون من نصيبك وأنت من نصيبه بإذن الله تعالى، فلا تستعجلي الأمور يا ابنتي، وكوني في أشد الحذر والحيطة بمن تلتقين معه من الشباب، وحاولي أن تستفيدي من هذه التجربة القاسية، فكلنا معرضون للوقوع في الخطأ ولكن العبرة هي الاستفادة من هذا الخطأ وعدم تكراره ولاسيما أن الإنسان يتعلم ونضج من خلال هذه الخبرات مهما كانت نتائجها. وتأكدي أن ما حدث لك ليس نهاية العالم كما يقال، ولكن هو تخطي العقبات الأولى لبداية حياة جديدة والتعرف على العالم المليء بالمفاجآت والمتاعب التي لا ندرك مساوئها إلا عندما نقع فيها ونلتمس من مرارتها، فلا تذرفي دمعة من عينيك جراء ما حصل ولشخص لا يستحق أبدا كل هذا الاهتمام، فأنصحك فورا من دون أي تردد أن تقطعي علاقتك بهذا الإنسان اللئيم، عفوا أعني الذئب المفترس الذي ما نال غرضه الدنيء، ولكن عقابه عند الله تعالى سيكون عسيرا، فأنصحك بطي هذه الصفحة السوداء وفتح صفحة جديدة في حياتك.. قد يكون الأمر صعبا في البداية ولكن تدريجيا ستعود الحياة طبيعية بأسعد أيامها التي لم تريها بعد. وقبل أن أختم ردي، أقولها بصراحة: أنت إنسانة كبيرة وناضجة الآن، ولكي تضمني سعادة حياتك المقبلة ومستقبلك الزاهر لابد أن يكون لك كيان جديد وشخصية أخرى غير تلك التي كانت مسبقا. ربما هذه التجربة كانت درسا قاسيا تتلقينه في حياتك وتعلمت منه الكثير بألا تكوني لقمة سائغة وسهلة في أفواه الأشرار المجردين من الأخلاق والقيم الإنسانية، كما أرجو أن تأخذي بالقول المأثور الذي يتردد دائما “كل ممنوع مرغوب” فتأكدي كل ما تمسكت الفتاة بشرفها وكرامتها ومبادئها زاد تمسك الطرف الآخر بكل احترام وتقدير.  فأرجو أن تكوني قد استوعبت ما أردت ذكره من خلال هذه الصفحة، أما إذا كان لديك أي تردد أو مازال هناك غموض فلا تترددي بالاتصال بي ورقمي عند سكرتيرة الجريدة، وأخيرا كلي أمل وتفاؤل بأنني سأتلقى أخبارا سارة منك شخصيا.. وفقك الله وسدد خطاك يا ابنتي العزيزة.