+A
A-

الدوحة... تاريخ طويل في دعم وتمويل التنظيمات الإرهابية

 من بين المطالب الأساسية لدول الخليج العربية أن تتوقف الدوحة عن تمويل الإرهاب ودعمه إعلاميًا وإيواء عناصره، لما لذلك من مخاطر جمة على المنطقة، بل والعالم.

وحاولت قطر التملص من هذه المطالب بالادعاء بأنها بريئة من هذه التهمة، لكن يدحض الادعاء القطري، والتي تؤكد تورطها في دعم الإرهاب سواء دعم التنظيمات الإرهابية العالمية كتنظيم القاعدة والتنظيمات المتفرعة عنه كجبهة النصرة في سوريا، وتنظيم داعش، أو دعم الدولة الراعية للإرهاب في المنطقة وهي إيران، وكذلك دعم التنظيمات الإرهابية التابعة لها، ومنها تنظيمات حزب الله اللبناني والحوثيين وسرايا الأشتر وحركة أحرار البحرين وغيرها، وكذلك دعم تنظيم الإخوان المسلمين وغيره من التنظيمات التي تعمل في المنطقة برعاية من حكومة الدوحة.

الوثائق والأدلة التي تم الكشف عنها مؤخرا، ويمكن قراءتها وتحليلها كالتالي:

قطر وإيران... ودعم الإرهاب

كشفت وزارة الخزانة الأميركية في تقرير لها نشر على موقعها ونشره عرب نيوز عن وجود صلات وثيقة تجمع بين كبار المسؤولين القطريين وكبار مسؤولي تنظيم القاعدة في طهران. وأبرز دليل على ذلك أن المواطن القطري سالم حسن خليفة الكواري الذي يعد كبير ممولي تنظيم القاعدة في إيران، لا يزال يعيش في الدوحة ويلقى الدعم من النظام هناك. كما كشف تقرير للمخابرات الأميركية أن المذكور سهل سفر المجندين المتطرفين إلى تنظيم القاعدة في طهران، وكان حلقة وصل بين قادة تنظيم القاعدة.

ونقلت تقارير صحفية سعودية مقابلة مع “صالح القرعاوي” المعتقل السابق في غوانتانامو وأحد أخطر عناصر تنظيم القاعدة ومؤسس كتائب عبدالله عزام، اعترف فيها بتورط قطر في “توفير دعم مالي لأنشطة تنظيم القاعدة الإرهابية”. وأكد أنه “تلقى إبان وجوده في إيران لمدة طويلة للعمل لصالح تنظيم القاعدة الإرهابي، دعما ماليا ولمرات عدة من شخصيات قطرية لصالح التنظيم وعناصره”.

وبدأ التعاون بين قطر وإيران بشكل وثيق في الفترة الماضية، حيث اعتبرتها الدوحة دولة حليفة وصديقة لها، وتوثقت العلاقات بين البلدين منذ الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد إلى الدوحة في العام 2010، ولكن نشأ تعاون قوي بين البلدين بشكل سري قبل ذلك وبعده أظهرته الاتصالات المكثفة بينهما، والتنسيق حول دعم التنظيمات الإرهابية، كذلك التعاون القطري مع الميليشيات العراقية الحليفة لطهران مثل كتائب النجباء وعصائب أهل الحق في تحرير الرهائن القطريين في العراق، ودفع الدوحة لأكثر من مليار دولار فدية لتلك الميليشيات.

والواضح أن إيران وجدت في قطر مبتغاها، فهي تدرك أن لها نفوذًا بين المجموعات المسلحة المنتشرة في المنطقة، الأمر الذي دفع طهران التي تقود هي الأخرى ميليشيات طائفية مسلحة في مناطق الصراع إلى المزيد من التنسيق بين البلدين للحيلولة دون اصطدام غير متوقع يضر مصلحتيهما، فعلى سبيل المثال عندما سيطرت جبهة النصرة على منطقة عرسال اللبنانية 2013، وأسرت عددا من أعضاء حزب الله، قامت قطر بالتوسط لإطلاق سراحهم.

وحاولت قطر دائما الاستفادة من الخلافات بين طهران وأغلبية الدول الأعضاء في مجلس التعاون خدمة لمصالحها الضيقة، وهذا يفسر إصرار الدوحة على “اعتبار إيران جزءاً من الحل الأمني في المنطقة”، ورفضها اعتبار طهران جزءاً من المشكلة. ولذلك لا عجب من وقوف قطر إلى جانب طهران عندما صوتت ضد قرار مجلس الأمن رقم 1696 حول الملف النووي الإيراني العام 2006، والذي دعا طهران إلى إبداء المزيد من الشفافية، بينما كانت دول الخليج تعيش حالة من القلق تجاه الانشطة النووية، وتدعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ مواقف صارمة منها.

 

قطر ودعم “القاعدة” وفروعه

بدأت علاقة قطر بالتنظيم قبل 20 عاما، أي قبل أحداث 11 سبتمبر، إذ نشرت دلائل تؤكد أن الدوحة تعمل على تسهيل العمليات التي يخطط لها التنظيم، ومن ذلك: إيواء الدوحة للعقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية في الولايات المتحدة الأميركية “خالد شيخ محمد”، وحين علمت الأجهزة الأميركية مكانه في قطر أبلغته السلطات هناك، فاختفى.

ومن ناحية أخرى، كتب مؤلف كتاب “Inside Al Qaeda” روهان جوناراتنا “القاعدة من الداخل” وأستاذ في جامعة سانت أندروز بأسكتلندا، عن مساعي أفراد من الأسرة الحاكمة بقطر لتوفير ملاذات آمنة لقيادات القاعدة، على رأسهم كان أسامة بن لادن، وكتب يقول: “فقد تم تحذير خالد شيخ من قِبل عبدالله بن خالد آل ثاني، أحد أفراد العائلة الحاكمة في قطر، وكان يشغل منصب وزير الداخلية ومعروف عنه أفكاره الأصولية وعلى صلة بالتنظيم”.

وإلى جانب الدعم المادي الذي يتولاه رجال أعمال قطريون بشكلهم الفردي مثل “سالم حسن خليفة راشد الكواري”، الذي يوصف بـ “ممول القاعدة” ووضعته السلطات الأميركية على لائحة المتهمين بتمويل الإرهاب العام 2011، أو عبر جمعيات خيرية، يأتي الدعم غير المباشر، ويتمثل في الدفع للتنظيم بشكل علني مبالغ مالية بحجة “الفدية” لتحرير الرهائن، أو الدعم الإعلامي الذي توفره فضائية “الجزيرة” التي دأبت على نشر بيانات “القاعدة” والانفراد بلقاءات مع قياداتها، بداية من اختيار التنظيم للقناة لتنفيذ أول تحقيق مصور من داخلها عن أحداث 11 سبتمبر، وحتى حوارها مع أبي محمد الجولاني، زعيم جبهة النصرة، جناح القاعدة في سوريا، في سبتمبر 2016، فضلا عن استضافتها بعض رموز هذه التنظيمات، مثل عبدالله المحيسني، مشرّع جبهة النصرة، الذي تمت استضافته في نوفمبر 2016.

يشار إلى أنه في أكتوبر 2014، نشرت وزارة الخزانة الأميركية، وثائق قالت إن “سالم حسن خليفة راشد الكواري” متورط في تقديم دعم مالي ولوجستي لتنظيم القاعدة، بالتعاون مع قطري آخر اسمه “عبدالله غانم الخوار”، في شبكة تمويل، وأن الأخير عمل على تسهيل انتقال عناصر إرهابية بل وساهم في الإفراج عن عناصر من القاعدة عبر إيران. وقام كلاهما بتسهيل السفر للمتطرفين الراغبين في السفر إلى أفغانستان للقتال هناك، ومن الأسماء الأخرى التي ذكرها التقرير، ومسجلة على اللائحة السوداء في الولايات المتحدة ومجلس الأمم “عبد الرحمن بن عمير النعيمي”، المتهم بتحويل 1.25 مليون جنيه استرليني بالشهر إلى مسلحي القاعدة بالعراق، و375 ألف جنيه لقاعدة سوريا.

ويعد خليفة محمد تركي السبيعي الذي يقيم في الدوحة أحد أهم ممولي التنظيم في الشرق الأوسط، حيث قدم ملايين الدولارات إلى مجموعة خراسان التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا خلال السنوات الماضية، ودافعت قطر عن عبدالعزيز بن خليفة العطية، أحد مساعدي السبيعي أثناء القبض عليه في لبنان.

كما استضافت الدوحة محمد شوقي الإسلامبولي، أحد قادة مجموعة خرسان التابعة للقاعدة وشقيق الإرهابي الذي اغتال الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، في العديد من الفعاليات على أراضيها، كما تربطه علاقات وثيقة بزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، ويقوم بالثناء على قطر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وكانت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، قالت في تحليل حديث لها، إن علاقة قطر بتنظيم القاعدة الإرهابي توطدت إلى درجة لم يعد فيها الفصل ممكنا، ذلك أن التنظيم المتشدد حظي برعاية استثنائية في الدوحة، طيلة أعوام. وأشارت إلى أن تنظيم القاعدة في سوريا، تمتع بدعم كبير من جانب قطر، وجرى النظر إليه بمثابة جماعة معارضة “خفيفة التطرف”، تقاتل نظام الرئيس السوري، بشار الأسد.

ويحصل تنظيم القاعدة في سوريا، على الدعم، من خلال تبرعات لأفراد قطريين، كما ينال الإرهابيون أموالا أخرى عبر جمعيات قطرية تدعي القيام بالعمل الخيري، لكنها تتخذه مجرد وسيلة لتمويل المتشددين. ومن الشخصيات القطرية التي نشطت بشكل بارز في جمع الأموال لتنظيم القاعدة، “سعد بن سعد محمد الكعبي”، الذي حرص على تقديم دعم سخي لفرع تنظيم القاعدة في سوريا، من خلال المنصات الرقمية. ودفع هذا الدعم السخي، وزارة الخزانة الأميركية، في مارس 2014، إلى انتقاد التساهل القضائي في قطر مع تمويل الإرهاب، على اعتبار أن تمويل الدوحة لم يقتصر على حركة حماس فقط، وإنما تعداه إلى عدد من الجماعات الإرهابية الأخرى.

وفي اليمن كشفت تقارير صحفية عن تورط جمعية قطر الخيرية بدعم وتمويل الجماعات الإرهابية في اليمن بأكثر من نصف مليار دولار خلال العام الماضي تحت يافطة مشاريع وأنشطة خيرية، فيما هي تقوم بأنشطة استخباراتية تركزت في تمويل عناصر تنظيم القاعدة في اليمن بالأموال ومعالجة ونقل الجرحى من عناصر القاعدة إلى قطر لتلقي العلاج، إضافة إلى تسليم كميات كبيرة من المواد الغذائية للقاعدة لبيعها في السوق السوداء وتسخير قيمتها في تمويل الأنشطة الإرهابية بعدد من المحافظات اليمنية.

 

دعم قطر لـ “داعش” الإرهابي

على الجانب الآخر، وفي تصريح مثير للجدل، قال وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثانى في فبراير الماضي بأنه لا يمكن وصف “داعش” بأنها مصدر للإرهاب في العالم.

وكان مؤسس موقع “ويكيليكس” جوليان أسانج قد كشف في نوفمبر الماضي في مقابلة له مع قناة روسيا اليوم عن أن رسائل هيلاري كلينتون كشفت تمويل قطر ودول أخرى لتنظيم داعش الإرهابي، كما أن كلينتون اعترفت بذلك رسميا في إحدى رسائلها المسربة من بريدها بأن قطر تدعم داعش. وكشف أيضا تقرير لموقع دويتشه فله الألماني (DW)عن أن قطر أكبر حاضنة لتنظيم داعش إلكترونيا من خلال موقع تويتر.

ومن بين الدلائل الموثقة ما كشفت عنه وزارة الخزانة الأميركية، من قيام “طارق الحرازي” أحد أهم قادة تنظيم داعش الإرهابي، والمسؤول عن تجنيد المقاتلين الأجانب للتنظيم وتسهيل سفرهم، بترتيب حصول التنظيم على ما يقرب من 2 مليون دولار عبر ممول قطري في العام 2013، كما لعب “الحرازي” دورًا مهما في جمع الأموال في قطر لصالح التنظيم، دون أن تتدخل قطر لمنع هذا الأمر.

 

قطر وعلاقاتها بالتنظيم الدولي للإخوان

من أوضح الدلائل على دعم قطر للتنظيمات الإرهابية دعمها العلني والصريح لتنظيم الإخوان المسلمين وإيواء عناصره المطلوبة، والتي تورطت في أعمال إرهابية خطيرة بحق الشقيقة الكبرى مصر وعدد من الدول العربية.

وقد عملت قطر منذ أكثر من ثلاثة عقود على احتضان حركة الإخوان المسلمين التي صنفتها عديد من الدول جماعة إرهابية، خصوصا بعد انكشاف الدور المخرب الذي تقوم به على مساحة كامل الوطن العربي، واحتضنت قطر معظم قادة هذه الجماعة وهم موجودون على أرضها وتقدم لهم التسهيلات كافة ليمارسوا نشاطاتهم المشبوهة إن كان في العلاقة مع إيران أو علاقاتهم مع الجماعات الإرهابية المسلحة التابعة لهم، وقطر سمحت لهؤلاء ببث سمومهم عبر المنابر الإعلامية خصوصا قناة الجزيرة التي لا تزال تلعب الدور المخرب في المنطقة العربية خدمة لإيران وإسرائيل.

ووجدت قطر ضالتها في هذا التنظيم الدولي الذي طالما عمل لصالح أجندات غير وطنية في العلاقة مع الغرب وإيران، ولا يسعى قادته سوى وراء مصالحهم التي تتستر باسم الدين واستغلال البسطاء ليكونوا أتباعاً وضحايا لهم.

وبعد انقلاب أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني على والده العام 1995 استغل وجود الإخوان لتثبيت دعائم حكمه، وأصبح الإخوان المسلمون موظفين رسميين لدى المخابرات القطرية، فالإمارة الصغيرة لا تملك أدوات صنع الصراع الرئيسة، وهى القوة البشرية والجغرافيا “مساحة وموقع”، ولا تستطيع -كما غيرها من الدول العربية - إنتاج تكنولوجيا؛ لذا اعتمدت على الإخوان كأداة من أدوات “القوة الناعمة”.

وقد مولت قطر الإخوان عن طريق “عبدالرحمن النعيمي”، والذي أنشأ “منظمة الكرامة لحقوق الإنسان”، ومقرها الرئيس في جنيف بسويسرا، ولها فرع بالدوحة، وجميع أعضائها من المنتمين لجماعة الإخوان، ويمثلون الأغلبية في التنظيم الدولي للإخوان، وهم من المطلوبين أمنيا لدى كثير من أجهزة الأمن العربية، ومنهم “رشيد مسلي” و”عباس العروة” و”خالد العجيمي” و”عبداللطيف عربيات”، أما “النعيمي”، فهو أيضا موضوع على قوائم الإرهاب كممول رئيس للجماعات الإرهابية في العراق وجبهة النصرة في سوريا وجماعة الشباب في الصومال وغيرها.

وتكشف العملية الاستباقية “الفأس” التي نفذتها الأجهزة الأمنية، وأعلنت عنها مساء أمس عن العديد من الدلالات المهمة، أولها: أن عناصر الخلية الإرهابية المضبوطة ترتبط تنظيميا ببعضها البعض، ولها أجنداتها المعروفة، وامتداداتها وأذرعها التمويلية والتحريضية المنتشرة في بعض دول الجوار، وتتبع ما يسمى تنظيم “سرايا الأشتر” الإرهابي، الذي يتبع بدوره الحرس الثوري الإيراني، ويتلقى دعما لوجيستيا وتمويلا مباشرا منه حسبما أكدت التحقيقات الجنائية السابقة، وأنها تورطت في ثلاثة من الاعتداءات الإرهابية التي وقعت خلال الفترة من فبراير وحتى إبريل من العام 2017 الجاري، واستهدفت رجال الأمن وحالة الاستقرار التي تنعم بها المملكة ومواطنيها والمقيمين فوق أرضها الطيبة.

ثانيها: أن بعضا من المقبوض عليهم أيضا ممن شاركوا تنفيذا وتخطيطا في بعض الاعتداءات الإرهابية لهم صلاتهم الخارجية الموثقة، ليس فقط مع إيران ومليشياتها وتنظيماتها الحكومية منها وشبه الحكومية، وإنما مع أطراف أخرى، وهو ما يفتح الباب للعديد من التساؤلات حول وجود دول أخرى في منظومة دعم وتمويل التنظيمات الإرهابية، سيما التي تستهدف البحرين، حيث تكرر سفر بعض المقبوض عليهم لكل من سوريا والعراق، وخضع بعضهم لتدريبات مكثفة على كيفية استخدام الأسلحة النارية والمواد المتفجرة، وذلك ضمن كتائب ومليشيات إرهابية وطائفية تنتشر هنا وهناك، وتمول من جانب دول تضمر الشر لمملكة البحرين والمنطقة والعالم بأسره.

ثالثها: أن المضبوطات التي تم تحريزها، إضافة إلى حجمها المهول، وتنوعها بين مواد خام وصواعق ودوائر إلكترونية ورسوم توضيحية وطلقات وأسلحة وغير ذلك، فإنها من النوعية شديدة الانفجار، حيث توازي قوتها التدميرية ما يزيد عن 52 كيلوجراما من مادة تي ان تي، ويتجاوز مدى شظاياها القاتل محيطا نصف قطره 600 متر في حال لا قدر الله انفجارها في وسط منطقة مأهولة بالسكان، وتتشابه هذه المضبوطات إلى حد كبير مع المضبوطات التي تم الكشف عنها في جرائم إرهابية سابقة، ولا يمكن توفيرها إلا من خلال دول أو أجهزة تابعة لدول، ما يعني ضرورة اتخاذ الاحترازات الكافية لأي أنشطة مشبوهة، وتستدعي من كل أفراد المجتمع الانتباه والتحوط لها.