+A
A-

فاطمة أحمد... إرادة تحدت فقدان البصر

فقدت بصرها في سن السادسة، ولم تفقد مع غيابه أياً من طموحها ومحبتها للحياة أو ابتسامتها التي ميزت محياها طوال مقابلة “البلاد” معها.

فاطمة أحمد علي، تعد نموذجا بحرينياً مشرفاً في صلابة الإرادة والتمسك بالأمل رغم الظروف الصعبة وظلام الليل الذي غطى حياتها، فهي الآن  قاب قوسين أو أدنى من التخرج من برنامج البكالوريوس في تخصص اللغة العربية وآدابها بجامعة البحرين، ولم يبقَ لها سوى فصل واحد على إنهائه.

وفي لقائها مع “البلاد”، تحدثت فاطمة عن طموحها بالحصول على الدكتوراه في الأدب، مشيرة إلى أن الخطوة القادمة هي دراسة الماجستير في الأدب والنثر بجامعة البحرين.

 

بعثة أو منحة

وعبرت عن أملها في الحصول على دعم وزارة التربية والتعليم عبر الانضمام إلى كادرها الوظيفي، وكذلك دعمها في خطوة الدراسات العليا مادياً عبر بعثة أو منحة أو إعفاء من الرسوم أو ما شابه.

وفي إطار الطموح، أشارت فاطمة إلى حلمها بأن تصبح مدربة دولية “كوتش” في التنمية البشرية” وتساهم في تطوير العلاقات الإنسانية والتعاطي النفسي والبرمجة اللغوية العصبية لمن يطلب العون في محيطها.

القلم الصديق

واستحضرت فاطمة الصعوبات التي واجهتها عند تطبيق فكرة دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في مدارس الحكومة الاعتيادية، إلا أنها سرعان ما تأقلمت وحصدت جوائز مدرسية عن إنتاجها الكتابي لمجموعة من الخواطر.

وقالت: أطمح الآن أن أنقحها وأؤلف كتاباً اسميه “عاشقة الصمت”، مشيرة إلى لجوؤها إلى القلم كلما أصابها الضيق، فهو صديقها الأول في كل الأحوال والظروف.

فيما يلي نص اللقاء:

الأخ الأصغر

ولدت طفلة مبصرة، وفقدت حاسة النظر لاحقاً، كيف تتذكرين طفولتك؟

كنت طفلة أحب الرسم وكرة القدم التي مارستها مع أخي الأصغر (رحمه الله)، كنت طفلة بشوشة ودائمة الابتسامة حسبما يتذكرني الجميع،

لم أكن أواجه مشاكل في الإبصار، بل إن اختباراً طبياً أجري آنذاك أظهر مستوى نظري بـ 6/6 .

كيف فقدت بصرك؟

عندما كنت في سن السادسة ونيف بدأت أشعر بضباب في عيني، وأسقط الأشياء من يدي، وهنا جرى استشارة أطباء أكدوا لنا “نزول ماء” مفاجئ على العين، ونصحونا باللجوء إلى مؤسسات طبية في الخارج، وانتقلت فعلياً للعلاج في المملكة العربية السعودية.

حرقان وألم

أجرى طبيب عربي مقيم هنالك عملية، إلا أن مضاعفاتها وضعتني في غيبوبة لفترة من الزمن، وعدتُ بعدها إلى البحرين بحالة إبصار أسوأ مع حرقان وألم.

هنا، اعتذرت مدرسة القادسية الابتدائية للبنات عن متابعة عملية تعليمي لعدم جاهزية المدرسة لاستقبال ذوي احتياجات خاصة، وعليه انتقلت للدراسة في المعهد السعودي البحريني للمكفوفين.

فقدان البصر

كيف تقيمين تجربة الدراسة في المعهد؟

درست في المعهد لغاية الصف السادس الابتدائي في الفترة الصباحية، وجمعت بين هذه الخطوة وبين الدراسة في برنامج “محو الأمية” ليلاً بغرض التعود على استخدام القلم في التعليم، واستمر مستوى النور في بصري بالانخفاض وانتهت قدرتي على الأبصار تماما في المرحلة الإعدادية.

ترافق فقداني البصر بشكل كامل مع قرار وزارة التربية والتعليم بتحويلنا إلى ما سُمي “مدارس الدمج”.

كيف استقبل أهلكِ فكرة فقدانك البصر؟

أهلي كانوا قلقين بشأن دراستي تحديداً، ولمست فيهم إحساساً بأني لن استطيع المضي قدماً في هذا الدرب الطويل، فلم اجتز سوى المرحلة الابتدائية حينها.

ماما 

وفي هذه الجزئية، لن أغفل الدور الرائع الذي لعبته أمي وما قدمته من دعم وتشجيع كبيرين، وكذلك الأمر بالنسبة لزميلات وصديقات المدرسة والمعلمات الفاضلات.

انطلاقا من تجربتك الشخصية، كيف تقيمين فكرة دمج ذوي الإعاقة بالمدارسة الحكومية؟

إن عدد الطلبة في الصفوف الحكومية كبير جد، فيما عدد الطلبة في المعهد يتراوح بين 4 و5 طلاب. وواجهت في المدارس الحكومية صعوبة في تأخير تسليم الكتب المطلوبة أيضاً.

تأخر الكتب

الكتب المطبوعة بصيغة “برايل” كانت تصل متأخرة للمدرسة الحكومية،  إذ يجري طلب طباعتها من المعهد السعودي البحريني للمكفوفين، وعندما كنت أدرس في المعهد، فالعملية تتم على مستوى داخلي، وتنجز بسرعة ومن دون أي تعطيل.

لن أخفي شعوري بالضياع وعدم الاستقرار في المدارس الحكومية، وصعوبة في التأقلم مع العدد الكبير للزميلات، باستثناء علاقة صداقة قوية جمعتني مع بنت زميلة أظهرت دعماً كبيراً.

 

كراهية

بداية، كرهتُ الدراسة في مدارس الدمج الحكومية لدرجة فقدت فيها رغبتي في التعليم، وكنت قاب قوسين أو أدنى من تركه، وأتذكر جيداً أنني تمنيت المرض حينها ليكون لي عذر في عدم الذهاب للمدرسة، وفعلاً عانيت من مشكلة في الأسنان، وأجريت على أثرها عملية منعتني من المدرسة لعدة أيام، وشعرت بالفرح.

هل وصلت كراهية مدرسة “الدمج” لهذا المستوى؟

قد تكون الكراهية للمدرسة تلخص حالة رفض حرماني من المعهد السعودي البحريني للمكفوفين، والذي احتضن أجمل أيام عمري.

تبدل وتحول

غير أن إحساسي الواقع في مدارس الدمج وتحديداً مدرسة سترة الإعدادية للبنات سرعان ما تبدل وتحول إلى تقبل واندماج، وأثمر عن علامات ممتازة في التربية الأسرية والإحصاء والتعبير والإنتاج الكتابي، وهذا كان نتيجة  لما أظهرته مدرساتي والمديرة من محبة وتقدير ودعم كبير.

ووصل حد الاندماج في المدرسة إلى خوضي الانتخابات اللجنة الاستشارية المكونة من طالبة، وفزتُ بأغلبية 77 صوتاً بمقابل منافستي التي حصدت 66 صوتاً.

عاشقة الصمت

وفي ذات الفترة، حصلت على جوائز مدرسية عن إنتاجي الكتابي لمجموعة من الخواطر.. أطمح الآن أن أنقحها وأؤلف كتاباً اسميه “عاشقة الصمت”. ألجأ إلى القلم كلما أصابني الضيق، فهو صديقي الأول في كل الأحوال والظروف.

بالعودة إلى تأثير المدرسة على حياتي، لقد نجحت المعلمة الأولى لمقرر الفنون في إعادة إحياء الرغبة في الرسم لدي، وعدت إلى هواية الطفولة، ودفعتني المدرسة للمشاركة في معرض للفنون، وحصدت المركز الثالث، وعليه كرمتُ من قبل مدير إدارة التعليم الثانوي آنذاك إبراهيم هجرس.

“برايل”

تحدثتِ عن الحصول على علامات ممتازة في بعض المقررات، ألم يؤثر فقدان البصر على عملية التعلم ويجعلها أكثر صعوبة؟

لم أكن انتظر الكتب المطبوعة بلغة “برايل”، فهي تأتي متأخرة كما أشرت سابقاً، وكنت اعتمد على صديقات المدرسة ليقرأن لي من كتبهن أولاً بأول خلال فترة الفسحة، ومن ثم أكتب ملاحظاتي. طبقت سياسية الدراسة والمذاكرة المباشرة، ولذا حققت نجاحاً ممتازاً، ولن أنسى فضل الزميلات والصديقات أبداً.

وماذا بالنسبة للحياة الجامعية؟

الجامعة عالم آخر مختلف عن المدرسة بما تفرضه من حصص منتظمة وأجواء تعزز من مسؤولية المعلم عن حصيلة الطالب المعرفية.. بالنسبة لي، عالم المدرسة أحلى، حيث شعرت بأنني طفلة مدللة، وكذلك أحسست دوما بأني محاطة بمجموعة من الأمهات “المعلمات” اللاتي يهتممن بي.

حاسة السمع

وأما في جامعة البحرين، فشعرت فيها بالوحدة والضياع أيضاً في بعض الأحيان، ولكن الأجواء الجامعية عززت بداخلي الشعور بالمسؤولية، وضرورة وضع خطط وأهداف وجداول زمنية للوصول للمبتغى.

خلال الدراسة الجامعية، اعتمدت على حاسة السمع، وشرعت في تسجيل محاضرات، وتسجيل ما تتضمنه ملاحظات الزميلات، باختصار حولت آلية التعلم من اللمس بلغة “برايل” إلى سماع التسجيلات، وها أنا قاب قوسين أو أدنى من التخرج من برنامج البكالوريوس بتخصص اللغة العربية وآدابها، ولم يبقَ سوى فصل واحد على إنهائه.

الحلم

ما الخطوة المقبلة بعد التخرج؟

طموحي هو أن أحصل على الدكتوراه في الأدب، والخطوة القادمة هي دراسة الماجستير في الأدب والنثر، وأطمح في الحصول على دعم وزارة التربية والتعليم بأن أنضم إلى كادرها الوظيفي، وأن لا يرد طلبي، وكذلك أطمح أن تدعمني الوزارة في خطوة الدراسة مادياً عبر بعثة أو منحة أو إعفاء من الرسوم أو ما شابه.

كلية الآداب في جامعة البحرين لا تطرح برنامج الدكتوراه، ولكني أتطلع إلى هذه الشهادة من الآن، وحلمي أن أصلها وأحصل عليها من جامعة مرموقة في داخل البحرين أو خارجها.

التنمية البشرية

وفي إطار الطموح، حلمي أن أصبح مدربة دولية “كوتش” في التنمية البشرية، وتشمل  العلاقات الإنسانية والتعاطي النفسي والبرمجة اللغوية العصبية والعقل والتفكير، وتغيير الشخصية نحو مزيد من الإيجابية في التعاطي مع الحياة وإنتاجية أكبر.

يفترض أن أحضر دورة في شهر يوليو المقبل، وسأقدم محاضرة في هذا الإطار، وبموجبها سأتمكن أن أكون مدربة مدربين، وسأحصل على شهادة معتمدة.

العالم الافتراضي

ختاماً، لاحظت أنكِ ناشطة بكثافة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو أمر لا يتقنه كثير من الأشخاص الذين يتمتعون بحواسهم الخمس، كيف تصفين واقعك في هذا العالم؟

أجل، دشنت حديثًا قناتي الشخصية على موقع “يوتيوب”، وأتواصل على نحو نشط مع جميع الأهل والأصدقاء والمستفيدين من برامج التدريب في التنمية البشرية عبر تطبيق “واتساب”، ويملك البرنامج العديد من الخصائص التي تمكنني من قراءة/الاستماع إلى “المسجات” المرسلة، وكتابة وإرسال الردود عليها أيضاً.