+A
A-

محامون وحقوقيون: عجلة إصدار قانون أسرة موحد انطلقت ولا عودة للوراء

أكد حقوقيون ومحامون أنه لم يعد مقبولاً تأخر صدور قانون موحد للأسرة، خصوصا بعد مرور 8 سنوات على إصدار الشق السني من قانون الأسرة، لافتين إلى أن الأصوات التي ما زالت تعارض إصدار هذا القانون “تغرد خارج سرب العدالة المنشودة والاستقرار والتطور”.

وأكدوا لوكالة أنباء البحرين ضرورة عدم الالتفات إلى ذريعة “الضمانات” التي يتشبث بها معارضو القانون، مشددين على أن الممارسة العملية للقانون في شقه الأول أعطت الوقت الكافي لرفع وتعميق التوافق المجتمعي بضرورته، إضافة إلى أن تشكيل لجنة تضم رجال الدين من الطائفتين الكريمتين بأمر ملكي هو بحد ذاته الضمانة التي تأطر مضمون القانون وتحفظ بنوده بما يتطابق مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية.

ولفتوا إلى أن قانون الأسرة الموحد يحقق العدالة والإنصاف بتساوي المركز القانوني لجميع المواطنين، كما يعزز التزام البحرين بالاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالمرأة والأسرة، إضافة إلى أنه ينهي معاناة النساء من متبعي المذهب الجعفري واللواتي تمتد فترة الفصل في قضاياهن إلى سنوات، كما سيسهم في تسهيل العمل على القضاة والمحامين؛ بسبب وضوح الإجراءات وضمان الالتزام بها.

ضرورة ملحة

من جانبها، صرحت القائم بأعمال مركز المنامة لحقوق الإنسان دينا اللظي بأن المركز وانطلاقاً من الأهداف التي توافق عليها الأعضاء المؤسسين منذ العام 2011، خصوصا الهدف التاسع الذي يوجه المركز وأعضاؤه بصيغة ملزمة للتنسيق مع الجهات التشريعية والحكومية المختصة للدفع باتجاه تذليل الصعوبات التي تواجه تطبيق القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان، وإصدار قوانين وتشريعات جديدة تحفظ وتحترم حقوق الإنسان وإعادة النظر في بعضها، يتابع باهتمام كبير الخطوات الهامة التي يتم اتخاذها من قبل السلطات المختصة لاستكمال الفراغ التشريعي على صعيد الأحكام الأسرية.  وبينت اللظي أن خطوة تنظيم المسائل المنظورة أمام المحاكم الشرعية باتت ضرورة ملحة لتعزيز خطى سير العجلة الصلاحية بمفهومها الشمولي ولاستكمال الصورة العامة للواقع الحقوقي خصوصا فيما يتعلق بالأسرة والمرأة والطفل.

كما أشارت إلى أن المركز شكل فريقاً قانونياً قام بدراسة المشروع بشكل مستفيض من الجانب الحقوقي والقانوني، وخرج بمرئيات وتقسيم لبنوده كافة، ضمّنها بملاحظات عامة، كما قام بالاستعانة بمتخصصين في العلوم الشرعية السنية والجعفرية والذين توصلوا لما توصل إليه الفريق الحقوقي والقانوني، بكون هذا القانون سيعزز الحقوق الأسرية وفق مفاهيم وقيم الشريعة في المقام الأول، وبما يتوافق مع المبادئ الحقوقية الواردة في الدستور والتشريعات الوطنية والمواثيق الدولية، خصوصا الشرعية الدولية لحقوق الإنسان واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو). 

ضمانات كافية

وقال الناشط الحقوقي والمحامي فريد غازي: “كان هناك وما زال من يتحدث عن (ضمانات) للطائفة الجعفرية الكريمة بعدم تغيير قانون الأسرة الموحد مستقبلاً من دون مشاركة المختصين، وتوافق هذا القانون مع المرجعية لاطمئنان العامة إلى المحاكم الشرعية”، وأضاف “رغم جميع المطالب عبر سنوات بإصدار الشق الثاني من قانون الأسرة، إلا أن جلالة الملك لم يصدر هذا القانون بأمر ملكي، وفضَّل أن يأخذ مجرياته الدستورية، وأن يكون هناك أكبر توافق شعبي ممكن حوله”.

وأشار إلى أن إصدار جلالة الملك أمره السامي بتشكيل لجنة شرعية لمراجعة مشروع قانون الأسرة دليل على رغبة سامية على احتواء جميع الآراء الفقهية والشرعية ومراعاة جميع تفاصيل الفروق المذهبية في مجال قضايا الأسرة، وصولاً إلى صدور قانون أسرة جامع مانع يلبي احتياجات الأسرة والمرأة، ويعزز من الحقوق الشخصية للأفراد، والتأكد تماماً من مطابقة بنود القانون المرتقب لأحكام الشريعة الإسلامية. وأكد أن الحديث عن أي ضمانات إضافية ما هو إلا محاولة التفاف على صدور هذا القانون ورغبة بتعطيله، وقال “من المتوقع أن يحاول البعض وضع العراقيل أمام صدور قانون الأسرة الموحدة متمسكا بحجج واهية ومحاولا التأثير على عقول الناس من أجل خدمة مصالح خاصة”، وأضاف أن مثل هذا التصرفات تنم عن أفق ضيق لا يدرك عدم جدوى الوقوف أمام الحركة الطبيعية للزمن والتطور”. 

قانون طال انتظاره

بدوره، أكد رئيس مجموعة حقوقيون مستقلون سلمان ناصر أهمية صدور القانون بالسرعة القصوى، وقطع الطريق على محاولات عرقلة إصداره عن طريق تكرار ذرائع واهية نسمعها منذ سنوات ولم تسفر إلا عن مزيد من الحالات الإنسانية الصعبة لنساء من المذهب الجعفري بائسات نراهُنَّ كل يوم على أبواب المحاكم يترجين ويرتجين الخلاص من جحيم حياتهن الزوجية من دون اكتراث فعلي لصرخاتهن. 

وشدد على أنه يجب الوقوف بقوة أمام محاولات التشكيك في أهلية المختصين من أعضاء مجلس الشورى الذين صاغوا نصوص قانون الأسرة الموحد، وكذلك القنوات الدستورية التي يمر بها هذا القانون تمهيدا لصدوره المرتقب، والذي يشكل خطوة واسعة على طريق تعزيز استقرار وترابط المجتمع ككل.

وأشاد بحملة التضامن والدعم الواسعة التي لقيها الإعلان عن قرب صدور قانون أسرة موحد، مضيفاً أن هذه الحملة يجب أن تتواصل بل وتتصاعد؛ درءاً لأصوات المعترضين التي ما باتت تتردد وتعلو منذ سنوات في كل مرة يجري الحديث فيها عن ضرورة إصدار الشق الجعفري لقانون الأسرة، والتي وصلت في بعض الأحيان إلى تحريض وتحشيد الناس - بما في ذلك النساء - للخروج إلى الشارع رفضا لهذا القانون، رغم كل الفوائد التي يحملها في طياته لضمان عدالة التطبيق عند احتكام أفراد الأسرة البحرينية.

 10 آلاف للحصول على الطلاق

كما قالت المحامية فوزية جناحي إن المتقاضين أمام المحاكم الجعفرية، والمحامين، ضاقوا ذرعا بالوضع الراهن؛ نتيجة عدم وجود قانون واضح ينظم القضايا الأسرية في المحاكم الجعفرية، ويحصر الأمور كلها بيد قاضي المحكمة الجعفرية.  وأضافت “أسمع عن تسريع الإجراءات والنهوض بأداء المحاكم الجعفرية، لكني صراحة لا ألمس ذلك على أرض الواقع، وموكلاتي من الطائفة الجعفرية لا زلن يعانين من طول أمد التقاضي”، وتابعت “حصول المرأة الجعفرية على حقها بالطلاق شبه مستحيل إلا إذا وافق زوجها على تطليقها، لذلك تلجأ إلى الخلع، وفي معظم حالات الخلع تضطر للتنازل عن جميع حقوقها حتى حقها في حضانة أطفالها، كما تدفع لزوجها مبالغ مالية تصل أحيانا لعشرة آلاف دينار حتى يقبل بتطلقيها”. وكشفت جناحي عن أن لهذه الصعوبات بتنا نرى تزايد الطلب على إبرام عقود الزواج أمام المحاكم السنية، لكن هذا مسموح فقط في حال كان أحد الزوجين من الطائفة السنية.

صعوبات يجب أن تنتهي

وفي الاتجاه ذاته ذهبت المحامية سهى الخزرجي إلى أن أحد أبرز المعوقات والمشاكل التي تواجه القضاء الجعفري، هو غياب مرجعية واحدة للأحكام الشرعية مما يؤدي إلى صدور أحكام متناقضة في قضايا متشابهة، إذ إنه يتعذر في كثير من الأحيان تحديد مصير الدعوى سواء كان بالقبول أو الرفض لاختلاف توجهات القضاة ومدارسهم الفقهية، ويخضع الأمر في كثير من الأحيان للرؤية الشخصية للقاضي. وأوضحت أن الحكم في المحاكم الجعفرية الكبرى يجب أن يصدر بحسب القانون بالتداول بين قضاة المحكمة الثلاثة، إلا أن ما يطبق في الواقع بخلاف ذلك، حيث يقتسم القضاة الدعاوى بينهم ويفصل كل قاضي في مجموعة منها، وهو ما يؤدي لصدور أحكام متناقصة من ذات المحكمة. ورأت أن صدور قانون موحد للأسرة سيسهل الفصل في الدعاوى أمام المحاكم الشرعية ويختصر فترات التقاضي، كما أن المحامي سيكون على بينة منذ البداية بمدى جدوى رفع الدعوى من عدمه.

وأشارت إلى مشكلة أن المحاكم الجعفرية عادة ما تشترط اقتران الهجر بعدم الإنفاق لإيقاع الطلاق، وهذا يوقع المرأة في ظلم كبير. 

الحفاظ على كيان الأسرة 

بدورها أكدت المحامية ابتسام الصباغ أهمية إصدار قانون الأسرة الموحد الذي يحفظ للأسرة كيانها وكيونتها، لكنها دعت في الوقت ذاته إلى إعطاء هذا القانون حقه الوافي من الدراسة والتمحيص؛ بغية الخروج به كاملا متكاملا.