العدد 2890
الإثنين 12 سبتمبر 2016
banner
لا ترتحلوا بحثاً عن السعادة
الإثنين 12 سبتمبر 2016

اليوم في العيد، تمتلئ المجالس بالزائرين، لا عدمت من عادة، وتنتظر لتتصفح الوجوه بعد أن انتهت من المصافحة والسلام والتهاني والقبلات، لتجد أن من بين الحاضرين السعيد حقاً حيث علامات الفرح تنبع من داخله لتغزو ملامحه، وتجد الواجم الذي انعكست همومه من داخله على قسمات وجهه، فبات كل ما حوله لا يساوي لديه جناح بعوضة، ولو كان عيداً.
يستحق الشفقة من يحزمون حقائبهم مسافرين، أو ينفقون جلّ أموالهم في البناء والشراء بحثاً عن السعادة، فالسعادة لا يُرتحل إليها، ولا تشترى بمال، بل هي مشاعر داخلية تتعاظم فيها الإيجابيات في النظر إلى الحياة، يسودها الرضا والقناعة، ووضوح الأهداف والسعي لتحقيقها، وقلة المعوقات، والعلاقات المتوازنة مع الأقارب والأصدقاء، وهذه من النعم التي قد تؤتى لأشخاص دون آخرين. ولا يخدعننا قول قائل إن وراء مظاهر الغنى تكمن التعاسة، كما ليس كل الفقراء قانعين وراضين وسعداء ينامون قريري الأعين، فالأمر في كل الأحوال يتعلق بالإنسان نفسه، إن كان يحمل “جرثومة” السعادة أم نقيضها.
السعادة هي ما تصبو إليه الأديان والفلسفات، وهي محرك الكثير من الصراعات أيضاً، إذ يجري إيهام الجنود والمجاميع أن سعادتهم ستتحقق بزوال العدو، وهي في الكثير من الأحوال لا تعدو مغامرة.
للسعادة طرائق بعدد الخلائق، فالبعض يجد سعادته في الإنجاز، وبعضهم في العطاء، وبعضهم في الصلاة والابتهال، وبعضهم في تحقيق الأهداف، وبعضهم في الحياة الهنيّة في بيت تظلله السعادة مع الزوج (من الجنسين) والأبناء. البعض يفسر السعادة بشعورك بسعادة الآخرين التي كنت سبباً فيها أو طرفاً منها، ويقول الإمام أبوحامد الغزالي: “السعادة كلها في أن يملك الرجل نفسه، والشقاوة كلها في أن تملكه نفسه”. وهناك من يجد أن السعادة حالة من السلام الداخلي مع النفس، فلا يعيش الإنسان في الصراعات، وبعضها قاتل حقاً، بين متناقضات القدرات الحقيقية له، والرغبات العارمة في التميز والتملك والسيطرة والنيل، وغيرها من الشهوات التي لا حدّ لها، ولا تزيد صاحبها إلا تعطشاً إذ لا تقف عند حد.
اليوم تحديداً، سنرى أناساً يتساءلون “أهذا عيد؟ أين السعادة فيه؟”، وهم لا يدركون أن العيد لا يعدو يوماً، تاريخاً اعتيادياً، مرّت في مثله قبل قرون وقرون الكثير من الحوادث، لم تتوقف فيه أبداً الوقائع المحزنة والسعيدة، وربما كان هذا اليوم نفسه في حياة الكثير من الناس حول العالم وعلى امتداد التاريخ، يوماً اعتيادياً ليس أكثر. لذا فليس من الحكمة انتظار العيد لأنه يجلب السعادة إن لم تكن من دواخلنا، فمن العبث انتظارها، فلسوف يطول الانتظار، ويبني علينا الدهر خيوطه، ولعلّه لا يأتي أبداً إن كانت نفوسنا ليست إلا سبخات وأراض قاحلة تفرّ منها السعادة حتى لا تموت عطشاً.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .