العدد 2869
الإثنين 22 أغسطس 2016
banner
البوركيني في فرنسا
الإثنين 22 أغسطس 2016

كان العالم الإسلامي في مقدمة المتعاطفين مع فرنسا عندما تعرضت لهجمات إرهابية، على اعتبار أن هذا الإرهاب أمر مدان ومنبوذ في جميع الأديان وأنه لا يمكن تبرير قتل الأبرياء مهما كانت الأسباب حتى لو كان من بينها ما يتعرض له المسلمون في بعض الدول الغربية من تهميش.
ظهرت بعض الأصوات في فرنسا وخارجها تحذر من سياسة التمييز في التعامل مع بعض الرموز الدينية، وتطالب بضرورة التوقف عن التضييق على بعض الممارسات الإسلامية وخصوصا ما يتعلق باللباس الإسلامي في الأماكن العامة، إلا أن باريس على ما يبدو رفضت هذه الدعوات “المخلصة” والراغبة في إصلاح الأوضاع ونزع ذرائع وحجج يرفعها الإرهابيون في محاولاتهم لتبرير أعمالهم الإجرامية وفي تجنيد المزيد من الأعضاء خصوصا من الشباب “المتهور”.
فقامت العديد من المدن الفرنسية الكبرى بإصدار قرار حظر ارتداء “مايوه شرعي” للنساء اللاتي يردن ممارسة السباحة، سواء على البحر أو في حمامات السباحة، وهو نوع من لباس البحر الذي يمكن المرأة المسلمة من ممارسة رياضة السباحة بما يتفق مع قيمها الإسلامية ويحفظ سترها، حيث إن هذا “المايوه” الشرعي أو ما يسمى بالـ “بوركيني” عبارة عن  ثياب تستر كامل بدن المرأة وفي الوقت نفسه لا تعيق حركتها أثناء السباحة.
كان من الطبيعي والمفترض أن يتم اعتبار هذا اللباس دليل رغبة المرأة المسلمة في الاندماج في المجتمع الفرنسي دون الإخلال بالمبادئ الدينية وذلك رغم وجود خلاف في الرأي حول مدى توافق هذا اللباس مع الشريعة الإسلامية، إلا أن الغريب أن يرى البعض، مثل عمدة مدينة “كان”، في هذا “البوركيني” تهديدا لقيم وشخصية وعلمانية فرنسا، فيقرر حظره، ثم يمتد الحظر إلى عدة مدن فرنسية أخرى، ويصبح هذا المايوه مجرما ويستدعي فرض العقوبة على من ترتديه.
إن هذا الموقف الفرنسي من البوركيني يعطي صورة سلبية عن الحرية والاستنارة والعلمانية، التي تمتاز بها فرنسا مما يعكس إصرارًا من قبل باريس على مواصلة التمييز بين المسلمين وغيرهم وفرض “قيمها” على من يعيشون على أرضها وفقًا لرؤاها وتفسيراتها دون مراعاة أية قيم أخرى حتى لو لم تكن تمثل أدنى خطورة على الدولة ومؤسساتها، كما أنه يوجه ضربة قاصمة لمحاولات الاندماج في المجتمع الفرنسي ويؤدي إلى إحباط المسلمين من إمكانية مساواتهم مع غيرهم وهو ما قد يؤدي إلى تغذية نزعات التطرف وإضعاف موقف المعتدلين، وانهيار قيم الحرية التي يزعم الغرب أنه معقل لها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية