العدد 2827
الإثنين 11 يوليو 2016
banner
“حلق حوش”
الإثنين 11 يوليو 2016

هو فيلم مصري من إنتاج 1996 ويدور في إطار كوميدي خفيف حول ثلاث شخصيات فقيرة تعيش على هامش المجتمع وتسكن فوق سطح إحدى العمارات، قضوا وقتًا طويلا دون جدوى في البحث عن عمل لهم، فاتجهوا إلى سرقة أحد البنوك الصغيرة بعد أن راجت تلك الفكرة لهم أثناء مشاهدتهم فيلماً أجنبياً عرض بالسينما المجاورة لهم، فقاموا بتنفيذها.
الفيلم يوجه رسالة تحذيرية من جانبين، الأول خطر البطالة على الشباب وكيف أنها تدفعهم إلى الجريمة بحثًا عن أي مصدر للمال يعيشون منه، والثاني خطر ما يعرض على شاشات التلفاز في انتشار الجريمة في المجتمع.
وجاءت قضية توني بلير وموقفه من حرب العراق (2003) لإضافة بعد جديد ربما لم يكن يتخيله كاتب سيناريو فيلم حلق حوش وهو وجود أشخاص ليسوا فقراء ولا محتاجين، لكنهم مدفوعون للشر دفعًا ليس سعيًا لجلب الرزق وإنما حبًا في الشر لذاته، وأنهم لأجل ذلك يبحثون عن السيناريوهات والأفلام التي يمكن أن يحققوا بها رغباتهم وأمنياتهم الشريرة.
هذا هو ما كشفت عنه مجلة فورين بوليسي في تقرير لها نشرته في 8 يوليو الجاري وبعد يوم واحد من إصدار لجنة التحقيق البريطانية بحرب العراق (لجنة جون تشيلكوت) تقريرها بما توصلت إليه من نتائج بشأن قرار بريطانيا التحالف مع الولايات المتحدة لغزو العراق في عام 2003، والذي كشف إساءة استغلال بلير المعلومات الاستخباراتية لكي يختلق قضية امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل.
فورين بوليسي اشارت في تقريرها إلى أن المخابرات البريطانية استخدمت معلومات مفبركة منتحلة من فيلم “الصخرة” الأميركي للمخرج مايكل باي، وأن أحد مصادر المخابرات البريطانية (الذي وصف من قبل مدير جهاز الأمن الخارجي البريطاني (أم آي 6) السير ريتشارد ديرلوف في عام 2002 بأنه يملك قدرة “غير عادية على الوصول إلى برامج أسلحة العراق البيولوجية والكيميائية” من المعجبين بهذا الفيلم، وقام باستغلال أحداثه في ممارسة الخداع على المخابرات، وزعم في تقريره أن العراق ينتج ثلاثة أنواع من غازات الأعصاب في مصنع اليرموك، وهي السارين والسومان و”في أكس”، محذرًا من أن العراق سرع وتيرة إنتاج أسلحة كيميائية وبيولوجية حتى أنه شيد منشآت إضافية لهذا الغرض، وأن صدام حسين كان يرغب في الاحتفاظ بقدرته على تصنيع تلك الأسلحة.
وبطبيعة الحال كان بلير متلهفًا لأية معلومة حتى وإن كانت كاذبة طالما أنها تسير في إطار رغباته وانسياقه وراء أميركا ولم يكن لديه من الشعور بالمسؤولية ما يكفي كي يتحرى الدقة في نوعية المصادر التي يعتمد عليها، فالقضية عنده ليست بتلك الأهمية لأن قراره محدد مسبقًا وهو أن يكون ظلاً لأميركا أينما وجدت.
وتشير المجلة الأميركية إلى أن جهاز الأمن الخارجي البريطاني أدرك سريعا العلاقة بين المعلومات التي زوده بها المصدر أو العميل والفيلم الأميركي، وبحلول ديسمبر 2002 بدأ الجهاز يتشكك في مصداقية المصدر الذي اعتمد عليه، وفي منتصف فبراير 2003 “تبين أن المصدر كان يكذب” كما أشار تقرير تشيلكوت، وفي مارس 2003 غزا التحالف بقيادة الولايات المتحدة العراق، وفي أعقاب ذلك تمكنت المخابرات البريطانية من تعقب مصدر تلك المعلومات واتضح في ما بعد أنها مفبركة، وخلصت المخابرات البريطانية إلى أن المصدر الذي استعانت به “كان ملفقا ظل يتحرى الكذب منذ البدء”، وبمعلوماته المغلوطة تلك ساهم بتوريط بريطانيا في حرب العراق.
فيلم حلق حوش كان متواضعًا جدًا في آفاق تفكيره التي لم تتعد إمكانية أن يدفع الفقر الإنسان إلى الاتجاه نحو الكسب الحرام ليتمكن من العيش، وأنه قد يجد في الأفلام التي تحث على الجريمة وتزينها مخرجًا له ليقوم بتقليدها، بينما فوجئنا بنماذج من البشر تدوس على كل القيم والأخلاق وتنغمس في الشر انغماسًا ليس عن حاجة أو فقر وإنما لانعدام إنسانيتها واستهتارها بحياة الشعوب ومستقبل الأمم ورغبتها في تدمير الدول.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية