العدد 2821
الثلاثاء 05 يوليو 2016
banner
إساءة الفهم الأميركي
الثلاثاء 05 يوليو 2016

لو فتشنا عن أزمات ومشكلات الشرق الأوسط، لن نجد رابطا بينها أقوى من العامل الأميركي المتواجد فيها جميعا وإن اختلفت درجة وشدة هذا التواجد لكنه في كل الأحوال موجود ومؤثر باتجاه واحد فقط وهو الاتجاه السلبي الذي يزيد تعقد المشكلات وغير القادر أو ربما غير الراغب في حلها بحلول دائمة أو حتى غير دائمة.
العامل الأميركي في مشكلات المنطقة موجود ويتنوع ما بين متسبب فيها كما في العراق أو مساهم فيها كما في ليبيا أو متسبب في تفاقمها كما في الأزمة السورية والقضية الفلسطينية.
الكاتب كاس فريمان حاول أن يتجمل ويجد مخرجًا لطيفا لهذا الإيذاء الأميركي لدول المنطقة في مقال بمجلة ذا ناشونال إنترست الأميركية، حيث رد ذلك إلى ما أسماه سوء الفهم، مؤكدًا أن الولايات المتحدة أساءت الفهم عندما أرادت تحويل العرب والفرس والأتراك في الشرق الأوسط إلى القيم العلمانية للتنوير الأوروبي، وجعلهم يؤمنون بالديمقراطية.
إلا أن فريمان نفسه وقع في سوء الفهم، حيث إننا لو افترضنا حسن النوايا الأميركية والأوروبية تجاه دول المنطقة، فلنا أن نتساءل عن تلك الجهود التي بذلها الغرب لجعل الشرق الأوسط يؤمن بالقيم العلمانية للتنوير الأوروبي وفقًا لفريمان، وهل الحروب والغزوات التي شنتها على دول المنطقة بأشكال وصور مختلفة تندرج ضمن هذه المحاولات، وهل أميركا نفسها جديرة بأن تكون داعية لهذه القيم وهي تحمل متناقضات كثيرة تفقد مصداقيتها كدولة عظمى قبل أن تكون ساعية لأي خير.
لكن هذا لا ينفي أن الكاتب بين بعض الأمور الواضحة واعترف بخطأ الغرب فيها ومن أهمها غزو العراق وفي عدم توجيه ضربة للنظام السوري، ومحاولة فرض نماذج الحكم الغربي على أمم الشرق الأوسط، ومحاولة جعلها تحل مكان الأنظمة الأصلية الإسلامية، وإقناع أهالي المنطقة بقبول دولة يهودية وسطهم، والمساومة مع إيران بشأن المسائل النووية.
وعن جريمة غزو العراق تحديدًا والتي تعد “أم الجرائم” التي ارتكبتها أميركا في المنطقة، فقد أكد فريمان أن أميركا فشلت في تحويل الانتصار على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين إلى سلام في العراق، وفشلت في الحفاظ على توازن منطقة الخليج، وأن هذا الغزو كان خطأ غير مبرر، وتسبب في بسط إيران نفوذها على العراق وسوريا ولبنان، كما تسبب في صراع طائفي في العراق، منذرا بالانتشار في المنطقة والعالم الإسلامي.
وحمل الكاتب أيضًا السياسات الأميركية والغربية المسؤولية عن نشوء ظاهرة التطرف والإرهاب، وزعزعة استقرار الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن هذه الأخطاء والكوارث التي تسببت فيها هي التي أدت إلى هجمات 11 سبتمبر ضد أميركا نفسها.
لا أمل في أميركا ولا يجب أن نعهد إليها حل مشكلاتنا وهي السبب الرئيسي في حدوثها ولا تمتلك الرغبة في حلها، إضافة إلى أنها تخلت عن حلفائها الذين ساندوها في المنطقة، وهو ما يفرض علينا أيضًا أن نتخلى عن تطلعنا الدائم إلى الوافد الجديد على البيت الأبيض حتى يحدث التغيير ويحقق مصالحنا، فهذا أمر لن يحدث أبدًا وقد جربناه كثيرًا لكننا في كل مرة نقع في ذات الخطأ ونسيء فهم السياسة الأميركية كما اساءت أميركا فهم المنطقة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية