العدد 2806
الإثنين 20 يونيو 2016
banner
في الفلوجة... تصفية أم بطولة
الإثنين 20 يونيو 2016

على غرار التصريحات التي تناقض الواقع في مدينة الفلوجة، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية العراقية في بيان رسمي قبل أيام قليلة: “تعبر وزارة الخارجية العراقية عن استغرابها الشديد للتصريحات الصادرة من بعض الشخصيات الدبلوماسية المتضمنة موقفاً سلبياً من العمليات العسكرية الجارية لتحرير مدينة الفلوجة، حيث تؤكد أن جهود الحكومة العراقية لاستكمال تحرير باقي المدن المغتصبة من قبل تنظيم داعش الإرهابي تحتاج الى مزيد من الدعم والمساندة الدولية لإنقاذ أبناء شعبنا من اهالي هذه المدن من الجرائم المستمرة بحقهم من قبل عصابات داعش الآثمة وتجنيب دول العالم شر هذه التنظيمات التي تستهدفها جميعاً.”
وتابع البيان: “وتشير الى ان العمليات البطولية للتحرير هذه تتم وفق الخطط المرسومة لها من قبل الحكومة العراقية، وهي وحدها من تقرر الاستعانة بجهود اي مستشارين عسكريين من الدول المتحالفة مع العراق في هذه المعارك، إضافة الى استمرارها بجهود الاغاثة والمساعدات الانسانية لكل المدنيين النازحين من الفلوجة وغيرها كونها الأشد حرصاً من غيرها على مساعدتهم وضمان سلامتهم”.
عندما قرأت البيان، شعرت وكأننا أمام ملحمة فعلية تخوضها قوات الأمن العراقية في مواجهة محتل أجنبي لتحرير الأرض وتخليص الشعب من هذا المحتل وأنهم أشداء على قوات المحتل (الداعشي)، رحماء بأبناء الفلوجة، لكنني أصبت بخيبة أمل كبيرة وإحباط شديد عندما قرأت بعدها تأكيد محافظ الأنبار أن لجنة التحقيق (التي تم تشكيلها بأوامر من رئيس الوزراء حيدر العبادي) في “الانتهاكات” التي طالت المدنيين، خلال العملية العسكرية لاستعادة السيطرة على الفلوجة وجدت “دلائل كافية” على تورط عناصر “الحشد الشعبي” في قتل 49 مدنيا، وفقدان 643 آخرين، مبينًا أن “اللجنة توصلت إلى أن عدد المغدورين الذين تم التأكد من قتلهم أثناء تسليم أنفسهم لإحدى فصائل الحشد الشعبي بلغ 49 مواطنا من بينهم ثلاث جثث غير معروفة الهوية، بينما مصير الـ 643 المفقودين من النازحين الذين سلموا أنفسهم إلى الحشد الشعبي لا يزال مجهولا، إضافة إلى تعرض المئات من المحتجزين المفرج عنهم من قبل الحشد الشعبي لتعذيب جماعي شديد بمختلف الوسائل، ومُورست بحق النازحين أساليب المس بالكرامة الشخصية والنيل من الاعتقاد المذهبي والمناطقي.
هنا نجد أنفسنا أمام مشهد مختلف تمامًا عن تلك الدولة القوية التي تخوض حربًا شرسة لتحرير بقعة من أراضيها وتخليص جزء عزيز من شعبها من واقع مرير ومؤلم.
المشهد الذي يرسمه محافظ الأنبار وغيره من السياسيين والمحللين والمتابعين هو أقرب لدولة محتلة تمارس أبشع الجرائم والانتهاكات بحق شعب الفلوجة، ومن بينها: إعدام مدنيين بينهم قاصرون رميا بالرصاص، وتعذيب مئات المدنيين بهدف انتزاع اعترافات منهم، فضلا عن نهب منازل وتدمير دور للعبادة في محيط الفلوجة.
أما عن الهدف من هذه القصة الأليمة التي يشهدها مسرح الفلوجة كما شهدتها عدة مسارح أخرى في انحاء المدن العراقية هو تصفية أهل السنة بكل وضوح وبلا مواربة، وهو ما اعترف به تفصيلاً الإسرائيلي “مردخاي كيدار” الباحث في مركز بيجن - السادات للدراسات الاستراتيجية بجامعة بار إيلان، حيث أكد أن المعركة التي تشهدها الفلوجة حاليا تم الإعداد لها جيدا قبل أشهر عديدة، بمشاركة مستشارين أميركيين وإيرانيين وممثلين عن الحشد، المكون من مليشيات تستهدف تصفية الوجود السني بالفلوجة مستخدمين نفس أسلوب مقاتلي داعش، بالحرق والذبح  بلا رحمة.
وأضاف كيدار الباحث في مركز بيجن-السادات للدراسات الاستراتيجية بجامعة بار إيلان أن معركة الفلوجة يشارك فيها عدد من الأطراف ذات المصالح المتعارضة، لكن اللون الطائفي لهذه المعركة يبدو واضحا أكثر من ذي قبل، فالفلوجة بسكانها ومقاتلي الفصائل المسلحة إضافة إلى المسلمين السنة، وهم الهدف الواضح لقوات حكومة العبادي والحشد والقوات الإيرانية  المعاونة لهم، وجميعهم يسعون إلى إبادة واضحة للمسلمين السنة .
وأشار إلى أن الحرس الثوري الإيراني أرسل مقاتلين عديدين إلى هناك بقيادة قائد فيلق القدس قاسم سليماني الذي يقاتل بجانب طائرات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، قائلاً: “يبدو أن الهدف الإيراني واضح أكثر من ذي قبل بضرورة القضاء على الوجود السني في الفلوجة، سواء مقاتلو الفصائل المسلحة أو سكان المدينة نفسها الذين يبلغ عددهم 45 ألف نسمة، وفي ظل ما يعلمه سكان الفلوجة عن المصير الذي ينتظرهم فهم يواصلون الهروب منها، فحاولوا اجتياز نهر الفرات، وبعضهم غرق فيه، ومن نجح في الهروب منها يعيش في خوف وترقب بسبب بحث المليشيات الشيعية عنهم في أرجاء العراق”.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .