العدد 2791
الأحد 05 يونيو 2016
banner
الحشد الشعبي.. فكرة مسيئة للعراق
الأحد 05 يونيو 2016

لم أجد تعبيرًا أفضل مما قالته الكاتبة راغدة درغام، مديرة مكتب صحيفة “الحياة” في نيويورك لقناة الجزيرة في وصف قوات الحشد الشعبي بأنها فكرة مسيئة للعراق والجيوش وطبيعة الدولة العربية، وتحذيرها من أن إيران تريد تصدير نموذج قوات “الباسيج” لتكون بديل الأمر الواقع عن الجيوش العربية، وهو نموذج سيئ وخطير على الدول العربية.
لا يمكن بطبيعة الحال أن نبرئ ساحة تنظيم إرهابي خطير مثل داعش مما يحدث في الفلوجة، لكننا في الوقت ذاته نؤكد أن جرائم ما يسمى الحشد الشعبي في هذه المدينة الباسلة لا تقل فداحة ولا بشاعة عن جرائم داعش، بل تزيد عليها بمراحل وخصوصا أنها لا يمكن أن تفسر إلا في سياق عنصري كريه ومذهبي بغيض تؤكده الوقائع والشواهد التي لا يمكن أن يقرها دين ولا أخلاق فضلاً عن القانون إلا إذا كان قانون الغاب والمذهب.
إن الحكومة العراقية في امتحان حقيقي وعليها أن تثبت أنها حكومة للشعب العراقي وليس لطائفة دون أخرى، بدلاً من أن تركز سهام النقد على وسائل الإعلام المتعاطفة مع أبناء الفلوجة وتترك للميليشيات الطائفية والحشد الشعبي الحرية الكاملة في أن تفعل ما تشاء في الفلوجة وغيرها بزعم محاربة الإرهاب وتخليص المدينة من إرهاب داعش بعد صمت غريب ومريب دام عامين استطاعت فيهما داعش أن تتغلغل في المدينة وبات من الصعب إخراجها إلا بإزهاق أرواح أبنائها وتدمير بيوتها وتضييع هويتها.
من الواضح أن قرار الحرب ضد أهالي الفلوجة قرار إيراني جاء بعد أن تربعت طهران على مقاليد الحكم والسياسة في العراق وأرست علاقاتها مع الغرب وفق ما يحقق مصلحتها بالتوقيع على الاتفاق النووي، ما أتاح لها وضعًا ووقتًا يمكنها من التخلص من مناطق المقاومة “السنية” فأرسلت رجلها المجرم وقائدها المطلوب دوليا ليتولى قيادة ميليشيات الحشد الشعبي مع مستشارين آخرين من الحرس الثوري الإيراني في معارك الفلوجة.
هذا المجرم هو الأداة التي تحاول بها إيران تصدير نموذج قوات “الباسيج” لغيرها من الدول من الناحية العسكرية، كما أنه وسيلة فرض الحكم والوصاية الإيرانية سياسيًا.
استعرض تقرير منشور بالعربية نت دور هذا الشخص في العراق منذ ظهوره على جبهات ضد تنظيم “داعش” في منتصف عام 2014، فعلي الصعيد العسكري، شارك سليماني في معركة استعادة مدينة آمرلي في محافظة صلاح الدين وفي معركة استعادة تكريت وحاليا في الفلوجة، وعمل على تحويل هذه المعارك إلى حرب طائفية في العراق، ويتمتع بتأييد الميليشيات الشيعية التابعة له وعلى رأسها الجماعات المتشددة الأكثر ولاء لنظام ولاية الفقيه في إيران ككتائب حزب الله أو ما يعرفون بالنجباء وكذلك سرايا الخراساني وجماعات أخرى كمنظمة بدر، وعصائب أهل الحق، حيث يعتقدون أن ايران تقود من خلال سليماني مشروعا عالميا بقيادة الشيعة.
أما على الصعيد السياسي، فقد كشف السفير السابق في العراق زلماي خليل زاد، أن إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، تعاونت ونسقت مع قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، عام 2006 حول الوضع السياسي في العراق، وأن هذا التعاون يمتد إلى مرحلة ما قبل صدام، حيث تمت اجتماعات سرية بين طهران وواشنطن قبل غزو العراق في 2003، وهو ما أكده أيضا السفير الأميركي السابق في العراق، رايان كروكر عندما اشار إلى أنه طلب عبر وسطاء من السياسيين العرب مساعدة سليماني في ترشيح أعضاء “مجلس الحكم العراقي” الذي تشكل مباشرة بعد سقوط نظام صدام عام 2003، مؤكدًا أن هذا المجلس بُني على أساس تفاهمات بين طهران وواشنطن.
وفي الختام، أقول إن الحرب في الفلوجة لو كانت بالفعل ضد داعش، فإن النصر لن يكون أبدًا عبر مليشيات الحشد الشعبي، والتفوق لن يتحقق مع استمرار تجول قائد مجرم مثل قاسم سليماني بكل حرية في العراق.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .