العدد 2797
السبت 11 يونيو 2016
banner
في الفلوجة... رهائن بين أموات
السبت 11 يونيو 2016

صحيح أنهم رهائن ويواجهون كل أنواع الظلم والمعاناة والقهر، هم أناس محاصرون وأبناء مهجرون ومشردون، لكنهم مازالوا أحياء بقلوبهم الصابرة، شرفاء بصمودهم، مقاتلين بمقاومتهم لحالة عامة من الموت في أخلاقيات وضمائر جهات عدة داخلية وخارجية.
كريستوف ويلك، وهو مسؤول الملف العراقي في منظمة هيومن رايتس ووتش وضع يده على بعض من هذه الجهات وأهمها وعلى رأسها مليشيا الحشد الشعبي وغيرها من المليشيات الطائفية في العراق، حيث اتهمها ويلك بارتكاب عمليات تعذيب بشعة واختطاف وقتل خارج إطار القانون، وتدمير منازل المدنيين في الفلوجة أثناء المعارك التي دارت في ما تسمى المناطق المحررة بالعراق.
أما الجهة الثانية فهي الحكومة العراقية، حيث انتقد صمتها إزاء هذه الجرائم التي يرتكبها الحشد الشعبي وتردد القول إنها مجرد تصرفات فردية وليست ممنهجة أو انها تعكس سياسة عامة، وهو ما رفضه ويلك معتبرًا أن هذا القول غير مقبول وأنه يتردد منذ سنوات، مؤكدًا أنه لا توجد إرادة سياسية لإحالة مرتكبي الجرائم من عناصر الحشد إلى المساءلة.
الجهة الثالثة هي تنظيم داعش الذي يرتكب جرائم لا تقل بشاعة عن تلك التي يرتكبها الحشد الشعبي ضد أبناء الفلوجة، ويكفي هذا التنظيم الإرهابي جرمًا أنه الذريعة التي تستخدم للتنكيل بأبناء الفلوجة بحثًا عن عناصر التنظيم وسط العائلات وداخل بيوت أهالي الفلوج، فكان ذلك سببًا كافيا لمحاصرة نحو خمسين ألفا من المدنيين بينهم نحو 20 ألف طفل في المدينة دون غذاء وماء أو دواء منذ فترة طويلة، وتعرضهم للقصف المدفعي والصاروخي من كل الأنحاء، بل إن هذه العصابة الإرهابية المجرمة لا تتورع عن تجميع العائلات وسط المدينة لتتخذ منهم دروعا بشرية.
أما الموت الرابع الذي يواجهه أبناء الفلوجة ولم يذكره ويلك، فهو الضمير الإنساني الذي مازال يشاهد الموت الحقيقي لأهالي هذه المدينة المحاصرة بكل أنواع الحصار ويكتفي في أفضل الأحوال بعبارات إنشائية لا تغني ولا تسمن من جوع ولا يمكن لها أن تغير من واقع الحال المميت لأهالي الفلوجة.
يمكن أن أتفهم حالة الصمت الأميركي إزاء هذه الكارثة الإنسانية كنوع من العقاب لهذه المدينة الباسلة التي استعصت على القوات الأميركية بكل جبروتها وغرورها في أبريل 2004 وأجبرتها على التراجع، إلى أن شنت عليها هذه القوات هجوما آخر بعد سبعة أشهر لتنهي حالة التمرد في معركة كبدت الولايات المتحدة مئة قتيل، لكنني لا يمكن أن أتفهم هذا الصمت المريب للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات التي تدعي أنها إسلامية فضلاً عن الصمت العربي والإسلامي غير المبرر مطلقًا.
لا يمكن القبول أبدًا بأن ما يجري في الفلوجة هو لتحريرها من تنظيم ارهابي، بل هو تجريد لهذه المدينة من أهلها السنة ومسح هويتها وإحلال آخرين وذلك كما حدث في تكريت وغيرها، حيث قامت مليشيات الحشد الشعبي بمنع أهالي تكريت من العودة إلى منازلهم بعد تحرير المدينة من داعش، وتم هدم وحرق هذه البيوت لتغيير معالم المدينة والتستر على الفضائح والجرائم التي ارتكبتها مليشيات الحشد الشعبي، إذ تشير بعض الأرقام إلى تدمير نحو 8000 منزل داخل تكريت بالعبوات الناسفة بعد أن  تعرضت للنهب والسلب.
ما يجري الآن في الفلوجة هو تكرار لما حدث في تكريت ولما حاولت مليشيات الحشد الشعبي القيام به في بغداد وديالى وصلاح الدين وتحت نفس الغطاء وهو قتال داعش من أجل التغيير الديمغرافي لهذه المناطق لتحويل العراق إلى نسخة جديدة من الدولة الإيرانية.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .