العدد 2797
السبت 11 يونيو 2016
banner
قوارب الموت وطوق النجاة العراقي (1)
السبت 11 يونيو 2016

ما نفعُ طوق النجاة وقوارب الموت للغرقى؟ العراق يحمل بين طياته الحزن والغم وطوق النجاة الدولي المثقوب لإنقاذ الغرقى بعد موتهم، وقادته يقدمون أوسمة الوطنية لحملة السلاح لتحكيمه في تنفيذ سياسة وقيادة المجتمع.
كثير من حكومات ومؤسسات دول إقليمية ودولية تبرعت بزوارق الإنقاذ ورمت أطواق النجاة وفي نفس الوقت، صناديق الأسلحة والأعتدة الفتاكة وبمشاركة طائراتها القتالية في نوايا الصدق والكذب لإنقاذ العراق من محنته وآلامه، وهم على علم بأن ضحاياه في قاع نهر دجلة والفرات، والآخرون مشردون في خيام ببقاع أرض صامتة ليس لها صوت وحرب الطوائف مستعرة حالياً ومؤججة في قرية هنا ومحافظة هناك.
قبل إعلان الحكومة في بغداد بدء ساعة الصفر لتخليص أهالي قضاء الفلوجة من قبضة الإرهاب وما يخص سلامة وجود مواطنيها، يعلم كل شخص ملم بالشؤون العسكرية أن عملية طرد الإرهاب وكسر شوكته ليست منسقة، منظمة، ومحسوبة الأبعاد لتداخل المهمات العسكرية والفكرية وتناقضها مع ما لم يتوصل إليه العراقيون الى ضرورة “كسر عقلية الإرهاب وتفكير مرتكبيه” التي سببت وقد تسبب نزوح السكان ولجوءهم الى مناطق آمنة قبل السيطرة على مداخل ومخارج المدن والقرى والضواحي.
بكلمة أخرى، الانتصار الحقيقي لا يتم بالقتل والقتل المضاد، فذلك لا يوجد فيه انتصار عسكري للدولة أو هيبتها. وعقلية الإرهاب التي تأصلت في عقول الناس هي التي يجب أن تُحارَب لأنها وليدة ونتيجة التربية الاجتماعية العشائرية الخاطئة المتخلفة، ومن اتبع تأجيجها وساهم في المشاركة الحكومية بتفريق المكونات، حيث اتخذوا من التفرقة والتقسيم عملا سياسيا لهم وسببوا نجاح سيطرة داعش وإرهابييها من القتلة على الموصل.
الانتصار الذي نؤكد عليه مراراً هو كيفية كسر عقلية إنسان مريض لا يلجأ الى حزام ناسف وقنبلة موقوتة لتفجيرها بين الناس بأمر من الله!
نهر الفرات أصبح معبراً لنجاة من نجا من سكان الفلوجة الذين فروا من المدينة وتركوها للأوغاد القتلة. ووصل الأمر في ناحية عامرية الفلوجة، أن السكان الفارين يستخدمون أية وسيلة تطفو على مياه نهر الفرات للعبور للضفة الأخرى. وفي عمل غير آمن استخدمَ البعض منهم ثلاجات فارغة ولوائح خشبية كبدائل عن القوارب لعبور النهر. ويسقط الأبرياء غرقى، والقتلة من داعش يطلقون النار على المدنيين الفارين من أحياء الفلوجة أثناء عبورهم نهر الفرات. وترد القوات العراقية بتبادل إطلاق النار عليهم، مع أن أكثر من عشرة آلاف عائلة استطاعت عبور النهر والوصول الى أبوغريب بعد مشقة ومن دون تنظيم إداري حكومي مميز.
الفلوجة شهدت صراعا وهيمنة بين الصحوات وتنظيم القاعدة وداعش بالقتل والقتل المضاد، وبينها وبين بعض شيوخ عشائرها منذ دخول القوات الأميركية الى اليوم.
وبمراجعة الصفحات المرة وما يرافقها من بيانات عراقية وإقليمية ودولية، يُدرك الإنسان الواعي أن الغريق لا يحتاج طوق النجاة بعد موته. وأن أعداد الغرقى في تزايد، وطلب اطواق نجاة أُخرى لن ينفع بعد فقدان الحياة الغالية التي وهبها الله للإنسان.
كان على الحكومة العراقية وقادتها ممارسة انتصارها بكسر العقلية الداعية للقتل الطائفي قبل رمي هذا الطوق وحزامه وقبل بدء الحركات العسكرية وما أطلقوا عليه “انتصارات” وتقديم العون المادي وتجهيز فرق إنقاذ متنقلة وخيام وأدوية ومواد صحية للمناطق المُدمرة المنكوبة والاعتماد على الطاقات العراقية الشابة الخدومة وتقسيم أدوار عملها اليومي المضاعف لإكمال مهمة عسكرية متوازنة.
حكومة الاتصالات والمشاورات لم تفرغ بعد من مباحثاتها. ومشروع حملة الإصلاح أولاً لا يحمل في طياته إلا عناوين الإصلاح، كما أن التوجه والتصرف الجماعي ورفع مستوى المشاركة الفعالة والتواصل المجتمعي وتعضيد فاعليته لم يبدأ بعد بسبب الفساد. ومعظم البيانات والكلمات الصادرة هدايا إعلامية للشعب وهم قعود في مجلس النواب يتبارون ويفسرون نصاً يقولون فيه (لقد بدأنا اتصالاتنا الأولية مع مختلف القوى السياسية وسنرفع من مستوى التواصل وفاعليته في الأيام القادمة ونأمل ان نصل الى اعلان مبادئ أولية في غضون فترة قصيرة، ونحن لسنا واثقين من النجاح التام في هذا المسعى وندرك جيدا التحديات والصعوبات التي تواجهنا، ولكن واجبنا ان نعمل ونقدم الحلول).
كيف نرفع شأن أهلنا في العراق وقادته في مجلس النواب يَستهجن أحدهم الآخر، يلفظ أحدهم الآخر، إعطاء العهد ونقضه بعد ساعات من انفضاض اجتماعاتهم، اجتماع يُعقد ليفض بعد ساعة وتؤجل الجلسات، وينام المجلس لحين اكتمال النصاب لجولة قادمة تبدأ باتصالات أولية.
لقد جربوا كل أمر مستغرب بالحل والربط بين متناقضات، ووحوش داعش تتربص الفرص بأهل العراق وتدمر مدنهم وهم يركنون للصمت للتحقيق في من يمدهم بالسلاح والعتاد ويعقدون اتصالات أولية بعد كل هذه السنوات.
ولتهوين البلاء بعد كل اجتماع نيابي يتبارى نواب الكتل المتصارعة بين مشروعاتهم واقتراحاتهم ظناً منهم أنها علاج مفيد والتي تشابه قول “تريد أرنب خذ أرنب، تريد غزال خذ أرنب”. إيلاف.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية