العدد 2770
الأحد 15 مايو 2016
banner
التعصب ضد المسلمين
الأحد 15 مايو 2016

 بمجرد أن يقع أي حادث إرهابي في دول ما من الدول الغربية، ينصب تركيز وتفكير أجهزة الأمن على الأشخاص من ذوي الأصول العربية أو من المسلمين ولا يكادون يبذلون جهدًا يذكر خارج هذا الإطار إلا عندما يفشلون تمامًا في إيجاد أية علاقة بين الاثنين أي بين الإرهاب الذي استهدف اراضيهم وبين العرب والمسلمين، وهو ما رسخ في أذهان الجمهور الغربي تلقائيًا هذا الربط بين الإرهاب والإسلام، كما كشف عن أسوأ مظهر من مظاهر التعصب والتمييز ضد المسلمين.
هذا التعصب وإن كان يزيح حملاً ثقيلاً من على أجهزة الأمن أي مشقة البحث في الاسباب الحقيقية للحادث الإرهابي وما وراءه، كما يصب في صالح الدولة، حيث تظهر وكأن الحادث الإرهابي كان نتاجًا لسياساتها «اللطيفة» تجاه المسلمين وقبولهم في المجتمع الغربي وهو ما يمكن أن يتخذ ذريعة أيضًا لتبرير بعض الإجراءات القاسية ضد العرب والمسلمين أو المهاجرين إليها، إلا أنه لم يحدث تغييرًا جوهريًا في طبيعة المشكلات التي تواجه هذه المجتمعات، بل ربما اضاف إليها مشكلة جديدة وهي التعصب ضد المسلمين، والتي توجت بدعوات عنصرية ومتطرفة للمرشح لرئاسة البيت الأبيض وهو دونالد ترامب الذي يحاول الظهور وكأنه سيكون المخلص من «آثام» و»آثار» المسلمين في كل بقاع أميركا.
لهذا، لم يكن غريبًا أن يتقدم مسؤول أمني واستخباري في حجم الجنرال ديفد بترايوس وهو المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية في مقال بصحيفة واشنطن بوست الأميركية بالنصح للغرب بأن يتوقف عن هذا التمييز ضد المسلمين وأن يحذر من مخاطر الخطاب السياسي التحريضي المنتشر ضد الإسلام والمسلمين في الغرب، معتبرًا أن هذا التعصب ليس حلاً لمواجهة الإرهاب وإنما قد يكون سببًا له وداعمًا للإرهابيين، مؤكدًا أن جميع السياسات والمقترحات التي تهدف إلى تمييز الناس على أساس دينهم، لن تحقق لا أمن ولا سلامة هذه الدول، بل مفاقمة الخطر الإرهابي ضد مواطنيها، واصفًا تشويه صورة عقيدة دينية وأتباعها بالسم الذي لا يمكن إزالته بسهولة، والذي يتناقض مع القيم الغربية ويؤدي إلى تآكل مصالح الأمن القومي الحيوية ويعد بمثابة مساعدة مجانية ومباشرة إلى تنظيم القاعدة وإلى تنظيم «داعش» لأنهما يتغذيان على اثارة الفتن والصدام بين الحضارات، قائلاً «عندما يقترح الساسة الغربيون تمييزا شاملا ضد الإسلام، فهم بذلك يعززون دعاية الإرهابيين، ومثل هذه التصريحات التحريضية من شأنها تقويض قدرة الغرب على إلحاق الهزيمة بالمتطرفين».
وقدم بترايوس تجربة عملية ليدلل على صدق ما يقول، مؤكدًا أن الولايات المتحدة تمكنت من تشكيل دفاع أكثر فاعلية ضد التطرف المحلي والهجمات الفردية من خلال بناء علاقات الثقة والتعاون بين أجهزة تطبيق القانون والمجتمعات الإسلامية في البلاد، موجًهًا رسالة خاصة لدونالد ترامب بعدم اللعب على وتر التعصب ضد المسلمين.
وفي السياق ذاته، وفي صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية، انتقد الكاتب فرانسوا هايسبورج السياسات والإجراءات التي اتخذتها فرنسا في مواجهة الإرهاب بعد أن تعرضت لهجمات دامية العام الماضي، حيث ركزت باريس على الجانب الأمني المتعلق بتشديد الإجراءات وفرض حالة الطوارئ، ومحاولة إدخال تعديل دستوري يجرد مزدوجي الجنسية من جنسيتهم الفرنسية في حال ارتكابهم جرائم إرهابية، مطالبًا الكاتب بترك خطاب الحرب على الإرهاب والمضي قدما نحو العمل الإيجابي لمسلمي فرنسا بدلا من تفاقم التمييز، داعيًا الغرب إلى توخي الحذر عند تبني السياسات الرامية إلى مكافحة الإرهاب، وألا تتبع ذات النهج الأميركي وتحديدًا طريقة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية