العدد 2765
الثلاثاء 10 مايو 2016
banner
عمدة لندن الجديد
الثلاثاء 10 مايو 2016



من العلامات الدالة على عظمة الدين الإسلامي وروعته أنه كلما ازدادت الاتهامات والانتقادات الموجهة إليه وإلى أتباعه، كلما زاد الإقبال على هذا الدين ووقعت أحداث مؤثرة تدل على أن الإسلام بريء من كل تهم يحاول الغرب والسائرون على نهجه الترويج لها وإلصاقها بالمسلمين من عنف وتطرف وإرهاب وغيرها من الصفات التي لا علاقة لها بدين معين أو شعب محدد وإنما هي سلوكيات شاذة عن كل قيم وبعيدة عن كل دين.
ومؤخرًا، استطاع صديق خان (45 عاما)، الرجل الذي يحمل الديانة الإسلامية تحقيق نصر تاريخي بالفوز بمنصب عمدة لندن، وفي توقيت صعب للغاية، حيث تشهد المملكة المتحدة والغرب عمومًا حملة شعواء ضد الإسلام، وتحاول تحميل كل المشكلات التي تواجه المجتمعات الغربية على هذا الدين وأتباعه وكأنهم باتوا مصدر إزعاج للبشرية ويجب التخلص منهم على وجه السرعة.
فلماذا جاء هذا الفوز لرجل مسلم بمنصب مهم وهو عمدة لندن في ظل منافسة شرسة؟
صحيفة الجارديان البريطانية ترى أن السبب في ذلك هو نظافة الحملة الانتخابية لخان، “باكستاني الأصل” المرشح عن حزب العمال، حيث إنها احترمت كل فئات مجتمع لندن باختلاف أعراقهم وأديانهم وطبقاتهم، في مقابل دعاية أخرى مسمومة لمرشح حزب المحافظين “زاك غولدسميث”، الذي نافس “خان” على المنصب.
إلا أنني أرى أن السبب الرئيسي لهذا الفوز هو طبيعة المجتمع نفسه الذي جرت فيه هذه الانتخابات، فهو مجتمع متنوع لا ينظر لديانة وإنما يهتم بالكفاءة، فلم يجد غضاضة في أن ينتخب مسلمًا ليكون مسؤولاً عن تسيير شؤونهم، وهذا هو ما يجب أن يكون في كل الدول وفي مقدمتها دولنا العربية والإسلامية حتى تتقدم الأوطان ونتخلص من كثير من العقبات التي تقف حائلاً أمام التطور.
إن فوز خان بمنصب عمدة لندن قصة نجاح لمسلم في مجتمع غير مسلم، ويؤكد أن المسلمين في بريطانيا وفي غيرها من الدول قادرون على النجاح وتخطي كل الصعاب، فالرجل ليس من طبقة الأثرياء كمنافسه في الانتخابات (غولدسميث)، بل هو من بيت متواضع، ووالده كان يعمل سائق حافلة، لكن رغم ذلك تفوق وأصبح محاميا يدافع عن حقوق الإنسان، ودخل عالم السياسة ليصبح أول مسلم يتبوأ منصب وزير في حكومة العمال السابقة بزعامة غوردن براون.
خان وصف فوزه بمنصب عمدة المدينة التي يقطنها 8.6 ملايين نسمة بأنه انتصار للأمل على الخوف، والوحدة على الانقسام، وهو وصف غير مبالغ فيه بدليل أن صحيفة الجارديان نفسها وإن كانت أقرت بأنه لن يقضي على ظاهرة التخويف من الإسلام “الإسلاموفوبيا” في المشهد السياسي البريطاني مثلما لم يقض فوز أوباما على العنصرية في أميركا، إلا أن هذا الفوز يمنح لحظة من الأمل على الأقل، وأنه كان رسالة تعزيز معنوي قوية لسكان لندن غير البيض البالغة نسبتهم 44 % من جملة السكان، وتحمل معنى أنه مهما كانت خلفيتك العرقية أو عقيدتك الدينية أو طبقتك الاجتماعية فأمامك أيضا فرصة الصعود إلى أعلى السلم ببريطانيا، وباختيار مباشر من الجمهور.
صحيفة نيويورك تايمز الأميركية كان لها أيضًا رأي مشابه للجارديان، إذ أكدت أن فوز خان جعل منه واحدا من أهم السياسيين المسلمين في الغرب، لأن فوزه جاء في وقت بلغت فيه “الإسلاموفوبيا” قمتها بالغرب، وفي الوقت الذي ينظر فيه كثيرون للإسلام بعداء، فكان الإسلام سببًا في فوز خان بهذا المنصب، وكان مصدر فخر لخان أثناء حملته الانتخابية، حيث قال إنه يريد أن يصبح المسلم البريطاني الذي يهزم “التطرف والمتطرفين”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .