العدد 2763
الأحد 08 مايو 2016
banner
فلسفة أوباما المميتة
الأحد 08 مايو 2016

عندما يشعر المرء بقرب الرحيل يسعى بشتى الطرق لتعويض ما فاته وإصلاح ما أفسده، خصوصا أنه يكون مدركًا في هذا التوقيت لما اقترفه فيما سبق، وما له من حسنات وما عليه من سيئات، ويمتلك تقييمًا شاملاً ودقيقًا مرده الحس الصادق حتى ولو تسابق الناس في تزيين الأخطاء لهذا الشخص وتبرير كوارثه وخطاياه وتصويرها على أنها كانت ضرورة حتمية لدفع ضرر أكبر من الذي وقع.
ولكن يبدو أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يسير عكس هذا الاتجاه، حيث يملك إصرارًا عجيبًا على أن يختم فترة رئاسته للبيت الأبيض بإنجاز خطوات كارثية واتخاذ قرارات سلبية ليس على بلاده فقط وإنما على العالم كله، ولعل من أبرزها الاتفاق النووي مع إيران الذي دافع عنه أوباما باستماتة حتى تحقق له مراده بتوقيع هذا الاتفاق في شهر يوليو من العام 2015، مصحوبًا بدعاية أوبامية بأن هذا الاتفاق سيكون مصدر خير للبشرية وأن السلام سيعم على العالم وعلى تلك المنطقة الملتهبة منه وهي منطقة الشرق الأوسط، التي تشهد تواترًا في الأزمات وكأنها باتت مصيرًا حتميًا لدولها.
ورغم أن شيئًا لم يحدث من أحلام أوباما، بل إن العالم والشرق الأسط تحديدًا انتقل من وضع سيئ إلى أسوأ لأسباب كثيرة كان من بينها الدور الهدام للدولة الإيرانية في أكثر من دولة وعلى أكثر من صعيد، إلا أن أوباما لم يشعر بندم جراء ما اقترف من إثم توقيع اتفاق نووي مع طهران، ولم يحاول أن يعالج تأثيرات هذا الاتفاق الكارثية أو أن يضع حدًا لتدخلات إيران التخريبية.
كل ذلك دعا كثيرين ومن بينهم الكاتب آرمسترونج ويليامز إلى التساؤل في مقال له نشرته واشنطن تايمز مؤخرًا حول أسباب إقدام الرئيس باراك أوباما على مساعدة إيران في الحصول على سلاح نووي ربما تستخدمه في تهديد أميركا وحلفائها في الوقت الذي يحتشد فيه الإيرانيون في الشارع ويهتفون بالموت لأميركا.
وفي معرض إجابته على هذا السؤال، يشير الكاتب إلى أن أوباما يعتبر “صفقته الكارثية” مع طهران إنجازا كبيرا يمكن أن تميّز فترة حكمه ويسجلها كميراث له، وأن الحجة الرئيسية التي جعلته يقدم عليها هو الزعم بأن التوقيع على هذه الصفقة سيغير إيران إلى الاعتدال، مؤكدًا أن أوباما لم يكن ليتقبل أي انتقاد يوجه إليه ويتجاهل اي رفض لسياسته ووقف لوحده بكل غطرسة بوجه كل الاعتراضات التي أثارها الكونجرس وكل من تجرأ على التشكيك في حكمة إدارته.
أما عن اسباب كارثية هذه الصفقة التي أبرمها أوباما مع إيران، فهي أنها شجعت طهران وكل أعداء أميركا الآخرين على الاستمرار بعدائهم، لأنها منحت إيران حق الحصول على مئة مليار دولار ورفعت العقوبات الدولية عنها، وأعادت حرية التنقل في العالم لقادة إيران الإرهابيين والاستمرار في تخصيب اليورانيوم واختيار المواقع النووية التي يجب أن يقوم المفتشون الدوليون بتفتيشها، بالإضافة إلى استخدام النظام المالي الأميركي.
وعن المقابل الذي جنته أميركا من الصفقة الحصول على اختبارات إيرانية لصواريخ عابرة للقارات، واستمرار التصريحات العدائية من القادة الإيرانيين ضد الولايات المتحدة، وتهديد النظام العالمي وتجديد الدعم لبشار الأسد وحزب الله اللبناني.
وأكد آرمسترونج ويليامز وغيره الكثير من الكتاب والخبراء الأميركيين أن إيران أصبحت اليوم أكثر خطورة من قبل، موضحًا أن هناك خللاً في بنود هذا الاتفاق وأنها لم تكن كافية لتحقيق أهداف أميركا منه إذا كانت إيران لم تنتهك بنود الاتفاق النووي كما يزعم أوباما نفسه.
وأشار الكاتب إلى أن أوباما يعمل وفق فلسفة معينة (أوضحها في تصريحات لمجلة أتلانتيك) وهي أن أميركا يجب أن تفك ارتباطها بالعالم وتترك حلفاءها يدافعون عن أنفسهم بأنفسهم، مؤكدًا الكاتب أن هذه الفلسفة فلسفة مميتة وتظهر سوء فهم جوهري لدور أميركا في العالم، قائلاً: “إن أوباما محق في أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تصبح شرطيا للعالم، لكنه يخطئ إذا اعتقد أن أميركا يجب ألا تدافع عن قيمها ومصالحها”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية