العدد 1288
الثلاثاء 24 أبريل 2012
banner
عفوا يا صاحب الفضيلة
الإثنين 29 أبريل 2024

ضجة كبيرة انطلقت في مصر الأيام الماضية إثر الزيارة التي قام بها الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية لمدينة القدس المحتلة، حيث زاحمت هذه الضجة النقاش الدائر حاليا حول انتخابات رئاسة الجمهورية، بسبب هذه المفاجأة المدوية التي صدمت الجميع نظرا للمكانة الدينية الرفيعة للمفتي.
لماذا أقدم مفتي مصر على زيارة القدس وهي تحت الاحتلال الإسرائيلي؟ ولماذا جلب هذا الرجل صاحب المكانة الدينية على نفسه كل هذا النقد والتشهير من المجتمع المصري أفرادا ومؤسسات وأحزاب وجمعيات، خاصة أن المفتي ليس رجل سياسة وليس مضطرا تحت أي ظرف لكي يخرج على إجماع الأمة ويفاجئ الجميع بهذه الزيارة.
لقد تابعنا كيف تبرأ الأزهر الشريف من هذه الزيارة واجتهد في تحميل المسؤولية للمفتي واعتبر ما حدث سبة وعارا يجب التنصل منه، ورأينا كيف أصدر مجمع البحوث الإسلامية في مصر بيانا يستهجن فيه ما كان من أمر المفتي.
وعلى مستوى مجلس الشعب المصري رأينا حملة شعواء ضد الدكتور علي جمعة، وأصدرت لجنة الشؤون الدينية بيانا طالبت فيه بالاستقالة من منصبه والاعتذار للشعب المصري بسبب هذه الزيارة.
كما نددت الأحزاب السياسية الكبيرة، مثل حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين- وهو الحزب صاحب التمثيل الأكبر في المجلس- بهذه الزيارة المفاجئة.
لم يقتنع أحد بالتبريرات التي ساقها المفتي لتبرير موقفه، خاصة قوله إنها زيارة شخصية لا تمثل أي جهة، لا الأزهر الشريف ولا مجمع البحوث الإسلامية، ولا غيرهما من المؤسسات، لأن المفتي رجل أزهري في الأساس ورمز من الرموز، ليس فقط في مصر وحدها ولكنه رمز إسلامي، وبالتالي فهو يطعن المؤسسة التي تعلم فيها والمؤسسة التي يرأسها، حتى إن كانت هذه الزيارة شخصية وبعيدة عن أي ارتباط رسمي.
وسواء استجاب المفتي لضغوط الجميع واستقال واعتذر للمسلمين أو لم يستجب، فلن ينمحي أثر هذه الزيارة، لأنها أصبحت بمثابة طعنة لكل من أفتى بعدم جواز زيارة القدس وهي تحت الاحتلال، مثل الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، وكذلك بقية علماء الأزهر الشريف، لأنها ستفتح باب الجدل والاختلاف حول قضية بهذه الأهمية، وسوف تبين أن المسلمين ليسوا مجمعين على رفض التطبيع مع العدو الصهيوني، والدليل على ذلك أن شخصية دينية رفيعة المستوى تتبوأ وظيفة غير عادية في دولة إسلامية كبيرة لم تكتف بتحليل مثل هذه الزيارة لغيرها من الناس، ولكنها حولت الأقوال إلى أفعال وقامت هي نفسها بزيارة القدس.
ومع ذلك فإن أفضل شيء يمكن فعله من وجهة نظري بعد هذه الضجة الكبيرة، هو أن يكف رجال الأزهر على وجه الخصوص عن انتقاد ما فعله المفتي، وأن يكف المفتي بدوره عن صياغة أي تبريرات لما قام به.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .