العدد 982
الخميس 23 يونيو 2011
banner
الدستور المغربي بادرة طيبة
الأحد 28 أبريل 2024

دون أدنى مجاملة، ودون دفاع عن أحد، أرى أن الدستور المغربي الجديد بداية طيبة ومعقولة للإصلاح السياسي الكامل في المملكة المغربية الشقيقة، وأن الإصلاحات التي أعلن جلالة الملك محمد السادس عن استعداده التام لإجرائها هي سبب كاف لتهدئة الأوضاع في هذا البلد العربي الشقيق، لأن جلالته لم يرفض إجراء تغييرات من بينها ما يمس صلاحياته شخصيا، ولكنه أراد أن يتم ذلك بالتدريج، وهو موقف يدل على الحنكة السياسية لذلك الرجل، لأن التغير التدريجي يمنع حدوث أي قلاقل أو اضطرابات.
التغيرات الديمقراطية والإصلاحات السياسية عبر التاريخ تمت بالتدريج ولم تحدث مرة واحدة، والدليل على ذلك ما حدث في بريطانيا وفي الولايات المتحدة، ولنعود إلى التاريخ لنتذكر كيف نشأ مجلس العموم ومجلس اللوردات والسبب في ظهور كل منهما، وعلينا أن نعود لتاريخ الولايات المتحدة الأميركية لكي نعرف ان السود حصلوا على حقوقهم بعد سنوات طويلة من الكفاح.
والتغير التدريجي هو سنة الحياة في كل شيء لأنه يضمن استمرار الحياة بدون قلاقل أو اضطرابات، اما التغيير الجذري المفاجئ في مجتمعات غير مستعدة له، قد يؤدي إلى الانهيار التام والسقوط في دوامات الاحتراب الداخلي.
الشعوب العربية، ومن بينها الشعب المغربي الشقيق، تريد كل شيء مرة واحدة، رغم أن التغيير الجذري يمكن أن يسبب مشكلات لا حل لها، وهي في ذلك مثل الشخص الذي كان يقتله الجوع وفجأة وجد أمامه خروفا كاملا فظل يأكل حتى أصابته التخمه وأصبح عاجزا عن الحركة.
هذا المثل للأسف ينطبق على المجتمعات العربية التي عاشت زمنا طويلا وهي راضية بأوضاعها ثم انطلقت مرة واحدة تطلب تغييرات هي نفسها غير مستعدة لها.
فعلى الرغم من نجاح الحركات الشعبية في مصر وتونس في تغيير النظام، إلا ان الدولتين تعانيان حتى الآن من مشكلات لا حصر لها، من النواحي الأمنية والاقتصادية، فعندما سقط النظام في مصر، وجدت الأحزاب المصرية التقليدية نفسها في وضع لم تتوقعه ولم تحسب له أي حساب، ووجدت نفسها غير مستعدة لخوض انتخابات برلمانية أو رئاسية.
وإلى جانب حالة عدم الاستعداد التي تعاني منها الأحزاب المصرية، هناك أيضا حالة الانفلات الأمني التي أدت إلى هروب رؤوس الأموال والإضرار بالاقتصاد وجعلت من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، إجراء أي انتخابات برلمانية لأن الانتخابات قد ينتج عنها اضطرابات أمنية تصل إلى حد الاقتتال بين المنتمين للجماعات والأحزاب وغيرها من أشكال التكتل.
هذا ليس هجوما على ثورة المصريين أو التونسيين، وليس تقليلا من أهمية هاتين الثورتين، ولكنه دعوة إلى التغيير التدريجي الذي يجنب المغرب وغيرها أخطارا كثيرة، خاصة في ظل قيادة تعلن عن تفهمها الكامل لمطالب أبناء شعبها.
لابد لأشقائنا في المغرب أن يعطوا الفرصة للتغيير، خاصة أن جلالة الملك محمد السادس تجاوب مع الدعوة للتغيير منذ البداية.
مع تمنياتنا للمغرب الشقيق أن يظل آمنا في ظل قيادته الحكيمة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية