+A
A-

كفاح سامي

 

بقلم:  يوسف عدنان الأحمد

 

كان سامي ولدا يتيما لديه أربعة من الإخوة، وكانت أمه طريحة الفراش تعاني من مرض عضال. عمل سامي في الفرن مساعدًا للفرّان، وفي آخر اليوم يأخذ أرغفة من الخبز يسدُّ جوع إخوته وأمه التي كانت بحاجة لعناية طبية عاجلة.

مرت الأيام وحلّ فصل الشتاء، تعبت الأم كثيرًا، فاستنجد سامي بالجيران؛ ليساعدوا والدته، إلا أن الموت أدرك والدته، فأصبح سامي يتيم الوالدين ومسؤولا عن إعالة أربعة من إخوته. حزن سامي كثيرًا، وأحس بالخوف والقلق الشديد هو وإخوته وكيف سيقوم بإعالتهم وحمايتهم؟

عمل سامي لدى الفرّان ليلًا نهارًا، شتاءً صيفًا؛ لكي لا يحتاج إخوته لشيء. كبُرَ سامي وإخوته وأصبح سامي يجيد الخبز وصنع الفطائر والمعجنات، حيث اشتهر بمذاقها الشهي واللذيذ. سُرّ صاحب الفرن من سامي وأوعز إليه مهام الخبز والمعجنات. توالت السنين وسامي يزداد شهرة سنة تلو السنة، إلى أن أصبح لديه فرن خاص به. توسعت الأعمال لدى سامي وأصبح يمتلك مبنى ذا طوابق متعددة وضع إخوته فيه وهو مستمر في تقديم الدعم لهم في دراستهم وحياتهم المعيشية.

 

توسع عمل سامي في المباني والفنادق الفخمة حديثة الطراز، حيث أصبح لديه سلسلة فنادق مشهورة على مستوى البلاد. تزوّج سامي وأصبح لديه أبناء، وكان عددهم ثلاثة أولاد: يوسف ومحسن، وبنت واحدة اسمها مريم.

 

كَبُر الأبناء وكان اعتمادهم على ثروة أبيهم، إلا أن محسن يفضّل العمل مع والده ومساعدته في متابعة سلسة فنادقه وأعماله الأخرى، أما يوسف فكان مسرفًا مستهترًا، لا يتوانى عن إسراف كل ماله على حفلاته الصاخبة وسيارته الفارهة، هنا أدرك الأب أنّ هناك خللًا في تصرفات يوسف.

قام الأب سامي بتوبيخ يوسف تارة، وبأخذ بطاقاته الائتمانية تارة أخرى وهو يكرر على مسامع يوسف أن هدفه بالحياة كان رغيف خبزٍ طريا، وفي كل موقف يذكّرأبناءه كلهم بما عاشه من فقر وحرمان من أبسط مقومات العيش وهو «رغيف الخبز».

 

هدأَ يوسف قليلًا، وتأثر بكلام والده، ولكن الحياة ومغرياتها وحب تقليد الغير على المواقع الإلكترونية أنساه حسن التصرف، وما أفاض به والده له. استمر حال يوسف هكذا إلى أن نَصب عليه مجموعة من رفاق السوء وجعلوه يخسر ما يملكه من نقود، فكان موقف أخيه محسن منه هو تغطية أفعال أخيه حتى لا يغضب والده ولا يحرم يوسف من مصروفه والمميزات التي يتمتع بها.

إلى أن حدث حادث أصيب فيه يوسف وكان معه رفقة السوء الذين يجبرونه على التدخين والسهر وإهمال الدراسة وتضييع المال على أشياء تضر بصحة يوسف، وكماليات لا أساس لها.

أصيب يوسف بكسور متفرقة وكذلك أصدقاء السوء أصيبوا جرّاء الحادث، ودُمرت السيارة بالكامل ونجا يوسف بأعجوبة.

حضر الأب سامي للمستشفى وهو خائف وقلق على ابنه وما تعرض له، فحمد الله على أن ما أصابه كسور بسيطة، هنا أدرك سامي أنه يجب أن يتصرف سريعًا، وينقذ ابنه يوسف من أفكاره التي زرعها أصدقاء السوء.

تعافى يوسف، فقام الأب بإيعاز مهمة الفرن وخبز الأرغفة إلى ابنه يوسف حتى يعرف قيمة ما يملك وأنه لا شيء في هذه الدنيا يأتي بسهولة دون عمل جاد مخلص ودؤوب. رفض يوسف في البداية ما طلب منه والده، ولكن لأنه يريد المال وافق على شروط والده، فأصبح يدرس في النهار، ويعمل فرّانًا في المساء إلى أن يجهده العمل ويذهب إلى البيت لينال قسطًا من الراحة.

 

واستمر يوسف هكذا إلى أن فهم ما يقصده والده، وما أراد منه أن يتعلمه وينتهجه في حياته هو وإخوته، وكان سامي لا ينسَى نصيب الفقراء من صدقات وزكاة، فأصبح منهجًا يتعلم منه أبناؤه كيفية مساعدة الغير، وأن النجاح لا يتكلل إلا بالعمل الدؤوب والمثابرة المستمرة...

 

العِبرة المستفادة من القصة: تحمل المسؤولية، ومساعدة الآخرين.