+A
A-

"الفيلم السعودي " هجان".. لوحات بصرية مدهشة في الصحراء وإيقاع رصين"

  • ترتيب الاحداث بمعادلة خاصة وزيادة حالة التوتر عند المشاهد


يمكنني القول ان الفيلم السعودي الطويل " هجّان" الذي فاز بجائزة افضل فيلم طويل ، وافضل تصوير في المهرجان السينمائي الخليجي الذي اختتمت فعالياته يوم الخميس الماضي كما انه عرض في عدة مهرجانات دولية، يمثل حدثا مهما في تاريخ السينما الخليجية ان صح هذا التعبير رغم تحفظ الكثير على كلمة " خليجية".
الفيلم الذي كتبه مفرج المجفل وعمر شامة واخرجه ابوبكر شوقي باغت الجمهور على مستوى الموضوع والأسلوب أيضا، والقصة المستمدة من التراث بالرؤية المتعددة الجوانب، وهو ما اعطى الفيلم جماليته، دون الحاجة الى إضافات جديدة، واستطاعت كاميرا المخرج شوقي التقاط لوحات بصرية مدهشة في الصحراء وميدان سباق الهجن، وإيقاعا هادئا رصينا ينسجم مع طقوس الفيلم وموضوعه العام وهو حب صبي يدعى " مطر" لناقته " حفيرة" يدخل في تجارب حيه معقدة من اجل الدخول في سباق الهجن والفوز وتخطي المسارات العديدة بحثا عن " الفرصة" الى درجة تجعل المتفرج يحتفظ بعقله في حالة تيقظ وانتباه، مع تداخل العواطف والمشاعر والرغبات الإنسانية ذات التأثير الدرامي القوي، وكانت الصحراء بمثابة لوحة عن الحياة الخاصة للفيلم الذي يشبه تتالي الصفحات ، حيث الدهشة في البداية ثم القلق وفي النهاية الترقب. وهذه السمة من اهم سمات المدرسة الواقعية التي لعبت دورا هاما ومحفزا في ظهور مواهب في الإخراج على مستويات عديدة، ومخرجنا ابوبكر شوقي بتقديمه لنا هذه التحفة السينمائية وصل الى الهدف الاسمى في السينما وهو إيصال المتعة وتحقيق التفاعل بين المشاهد والمادة التي يراها بتكوين باهر يقوم على الاتزان والتناسق والارتفاع التدريجي.
ما شدني في هذا الفيلم الذي لعب بطولته الصديقان العزيزان عبدالمحسن النمر، وإبراهيم الحساوي، وبقية الطاقم الحس الدرامي العميق الى جانب المهارة الفنية الفائقة للمخرج ابوبكر شوقي، واللقطات المتقطعة في مشهد حلبة سباق الهجن دون ان يشتت انتباه المتفرج ويبعد عينه عن الشاشة، فهو يتابع الحركة ببساطة الشروط الأساسية للتصوير . الحركة الدائرية، والأفقية، والرأسية، إضافة الى ترتيب الاحداث بمعادلة خاصة وزيادة حالة التوتر عندنا كمشاهدين بالتغيير المستمر في معدل القطع، مع المراعاة التامة لمضمون اللقطات وجمالية الاختفاء التدريجي الذي يعطينا فاصلا ضروريا للتأمل وإعادة ترتيب افكارنا لاستيعاب الذروة الدرامية ، وكل هذه الحرفيات يقوم بها مخرج واثق من نفسه.
"الممثلون"
اول ما عرفت الصديق الفنان إبراهيم الحساوي في مسلسل " على موتها اغني" في العام 2009 ، ثم في مسلسل " شوية أمل" عام 2011 وهو ممثل بارع لديه مقدرة فائقة في نفث الحياة في كل شخصية يقدمها سواء في الدراما التلفزيونية، او السينما، وهو في هذا الفيلم ارتفع بالأداء والطاقة المتدفقة الى الأفق، وفي كل مشهد نرى فيه الطاقة المضاعفة والزائدة وهذه صفة لا توجد الا عند عباقرة التمثيل.
اما الصديق عبدالمحسن النمر، فتعود علاقتي معه الى العام 1994 حينما اشترك في مسلسل " أولاد بوجاسم" واستطاع بشخصية " جاسر " في الفيلم ان يكون هو القوى المحركة والصراع في معظم التفاصيل، فهو صاحب نجومية خاصة تؤهله القيام بكافة الأدوار. كما ان المخرج أبو بكر شوقي لامس الاختيار الصحيح في دور البطولة، واعني الممثل الصغير عمر العطوي الذي من المؤكد ينتظره مستقبلا في التمثيل .
"الموسيقى"
موسيقى الأفلام هي خليفة تتغير وفق المادة المصورة، ومهمتها ان لا تتجاوز مضمون الصورة بصفاتها ، وقد ابدع الفنان والموسيقار التونسي أمين بوحافة في اختيار موسيقى العمل بأدق المواصفات وفي وحدة تصاعدية متوافقة مع القصة وكل ما يتعلق بالبيئة .
الخلاصة..فيلم " هجان" الذي انتجه مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي " إثراء" مميز فكرا وتكنيكا وسيترك بصمة واضحة في السينما العربية بكل الامتيازات.