+A
A-

سوق المنامة القديمة تشد الرحال... والتطوير لم يطل قلبها النابض

جولة ميدانية رائعة أجرتها (البلاد) بدهاليز سوق المنامة القديمة، وبجو غلبت البرودة الخفيفة، والنسمات العليلة معاً، وهناك بدهاليزها الضيقة المتكدسة بالبضائع والمحشورة بالمحلات الصغيرة المتنوعة، بدت الحال بغير ما هيو قبل نيف من السنين، فالحركة لا تكاد تكون، وأصوات الباعة خافتة لا تسمع، وبعض الواجهات الزجاجية تميزت بورقيات بيضاء خط عليها مسودة العبارة الشهيرة ( المحل للبيع).
( البلاد) التقت بعدد من التجار وأصحاب الأعمال واستفسرت منهم عن الحال، كان بعكس ما نحب أن نقرأ، لبعضنا على الأٌقل، وفيما يلي نص اللقاءات.
السوق العتيدة
سوق المنامة القديمة، لذاكرة كل منا موطيء قدم لسوق المنامة القديمة، يراها البعض أنها أقرب ما تكون لخان الخليلي بمصر أو سوق الحميدية في دمشق، فالتراث، وعبقه، وملامحه المسطرة على واجهات المحلات العتيقة هي بداية القصة وختامها في آن.
يقول تاجر الكمويسيون الكهل عبدالمهدي كراشي إن السوق لم تعد كالسابق، هناك حالة هجرة حقيقية للزبائن، حتى الآسيويين منهم، سألته: “لماذا”، فقال: “السوق مهملة منذ عقود، والتجديدات والتطويرات التي نالتها هي للجزء القريب من باب البحرين ليس إلا، أما قلب السوق النابض فالوضع كما تراه، لم يتغير، فالمحلات قديمة ومهترئة الواجهات والأسقف، والخدمات ضعيفة ومعها التسويق والترويجي السياحي، فنصيب السوق منها صفر إن لم يخب بي الظن”.
وزاد “كنا نأمل أن تكون البحرين سباقة في إعادة تهئيتها للسوق القديمة بقلب العاصمة، وتحويلها مركزاً تراثياً مشعاً كخان الخليلي بمصر، وسوق الحميدية بدمشق، إلا أنها لم تنل إلا الإهمال والنسيان، وهو أمر غير محبب للكثيرين، لأنه يرتبط بتاريخ البلد، وبطفولة كل منا”.
الهوية الجديدة
ويتفق معه تاجر العطارة حسين مخلوف بقوله “السوق أصبحت صامتة أكثر من أي وقت مضى، فظهور الهايبرماركت والمجمعات المكيفة المزودة بالمطاعم ودور السينما والمقاهي أصابتها في مقتل حقيقي، لذى كان الأولى من الدولة أن تضع خططاً حقيقية لانتشالها من الحال المؤلمة التي تمر بها، وبأن تهيئها لتكون معلماً سياحياً مميزاً للبحرين، خصوصاً أن العديد من محلاتها تبيع الأُثريات، وتتفرد ببعض البضائع والسلع التي تخلب لب الأجانب، والسواح”.
وأكمل مخلوف “الدعم يجب أن يصل إلى الغاء الايجارات، وتخفيض كلفة الكهرباء والماء للحد الأدنى لدعم التجار المترنحين، ولتعزيز السياحة واستقطاب الإستثمارات، فسوق المنامة القديمة لم تعد كالسابق مكاناً مستهدفاً للتبضع وإنما أقرب لمعلم للنزهة، وهو ما أدى إلى تآكل مداخيل أصحاب المحال بشكل كبير، فأنا شخصياً لم أجنِ من الصباح الباكر وحتى عصر اليوم إلا خمسة دنانير فقط”.
بلا مرافق
وبدوره، أكد الخياط قاسم عبدالواحد أن المرافق الأساسية للسوق معدومة وتؤثر على زيارة العوائل كثيراً، مضيفاً “تحدث التجار عن هذه الإشكالية للمسؤولين بالدولة منذ عقود عدة، ولكن لا حياة لمن تنادي، وأهمها بأنه لا توجد هناك دور مياه وهو ما يدفع الكثيرين للذهاب إلى أماكن أخرى وبالأخص العوائل، كما أن المواقف شحيحه للغاية وأقربها مواقف فندق الريجنسي، إضافة إلى عدم وجود مقاهٍ أو مطاعم إلا البعض منها”.
ويزيد عبدالواحد “التخضير والتظليل معدوم، كما أن الشركات الكبيرة تشيح بوجهها عن فتح فروع لها به كشركات الاتصالات ومحلات الهواتف المتنقلة والمقاهي العالمية وغيرها، لعدم وجود التحفيز الحكومي لتحقيق هذا الإنجاح، أتوقع إن كان هناك التفاتة حقيقية لها، ستصبح منارة سياحية وتجارية بارزة في البحرين”.
ثقافة الاستهلاك
وأشار تاجر الألبسة عبدالله مراغي إلى أن أغلب الزبائن الذين يزورون السوق الآن بقصد التجول لا التبضع، مع تغير الثقافة الإستهلاكية بالبحرين، وبالخليج بشكل عام، مضيفاً “الكثيرون الآن يبحثون عن شراء السلع ذات الماركات الجيدة والمضمونة، فكما هو معلوم أن العديد من بضائع السوق القديم بالمنامة صينية المنشأ، يستثنى منها بعض السلع الغذائية “.
وأردف “لا يستطيع تجار السوق القديمة مناطحة التغيرات العالمية الكبيرة التي أجتاحت البحرين بالسنوات الأخيرة والتي أثرت على الثقافة الاستهلاكية بشكل كبير وملحوظ، خصوصاً بعد تطور وسائل الإتصال، وتمدد همينة الشركات التجارية العالمية، ولكن ما نأمله، هو أن يحافظ على السوق باعتبارها مركزاً نابضاً للبحرين، ومعلماً سياحياً خلاباً”.
التنويع أولاً
وأبدى تاجر المكسرات غلام رزاق رأيه بأن بعض السلع بسوق المنامة القديمة لا تزال محافظة على روجانها إلى حد ما قياساً بالسلع التجارية الأخرى التي تزخر بها محلات السوق الصغيرة منها “المكسرات، الأعشاب الطبية، الحلويات الشعبية، الذهب والمجوهرات”.
وبين رزاق أن مساحة السوق الحالية صغيرة ويمكن أن ينالها التطوير بشكل كبير، خصوصاً وأن البعض من السواح لا يزال مهتماً بزيارة السوق والتعرف على سلعه المتنوعه والحرص على اقتنائها”.
وأكد أن “التنويع بنوعية السلع وتطوير محلاته أمر مهم لإنجاح السوق، ودفعها للبقاء والاستمرار، ولا أظن بأن هناك بحرينيا واحدا لا يود ذلك، لأن السوق وذكرياتها محفورة بأذهان الجميع”.
الأمن أولاً
وبذات السياق، بين الخياط محمد أحمد أن الأحداث المؤسفة التي مرت بها البحرين شكلت ضربة قاصمة جديدة للسوق القديمة، مع تراجع عدد السياح والزائرين، وانحسار الموجة الشرائية بشكل كبير، وهو ما دفع العديد من أصحاب المحال لبيعها من دون أن تجد من يشتريها.
وقال محمد إن “الوضع الأمني قاعدة الحركة التجارية في أي بلد بالعالم، وهو ما يتطلب من الأجهزة الأمنية أن تكون أكثر حرصاً على فرض الأمن والإستقرار، ودحر أي تجاوزات تخريبية واردة الحدوث”.
وأضاف” لا يمكن أن نغض النظر عن ذكر تداعيات الأزمة على الحركة التجارية والاستثمارية وعلى الاقتصاد الوطني ككل، كان لها أثر مباشر ومؤثر، وعلى السوق القديم أكثر من غيره بإعتبار أنه مترنح أصلاً”.
وزاد” في السباق كان المحل يباع ( قفلياً) بعشرين وثلاثين ألف دينار وعلى الفور، أما فلا يفكر أحد بشرائه بأبخس الأثمان”.
مصاريف من يسدها؟
وكان ( للبلاد) لقاء مع البائع البنغالي سعود محمد، كان جالساً بتراخ أمام محله الذي يبيع الساعات المقلدة، والألعاب، سألناه عن الوضع فقال “لا توجد حركه تجارية، الدخل محدود ولا يكاد يغطي كلفة الإيجار وفواتير الكهرباء، هناك عزوف عن السوق، ناهيك أن العديد من الزبائن يطلب المزيد من التخفيض للأسعار رغم أنها مخفضة فعلا”.
وتابع “حاولنا تنويع البضائع والسلع الموجودة، وإدخال عروض ترويجية بلا فائده، يبدو لي أن السوق يلفظ أنفاسه الأخيرة”.