العدد 1291
الجمعة 27 أبريل 2012
banner
عادل إمام والجيزاوي في مصر الجديدة سمر المقرن
سمر المقرن
الجمعة 27 أبريل 2012

لم تتضح لي حيثيات الحكم الصادر بحق الفنان المصري عادل إمام، بالحبس ثلاثة أشهر مع غرامة مالية، فما ظهر من حيثيات في وسائل الإعلام يفتقر إلى المنطقية! وذلك بعد مشوار فني امتد لأكثر من أربعين عامًا، فأراد المصريون (الجدد) معاقبته معتبرين أن تمثيله لشخصية “إرهابي” أو “متشدد” فيها سخرية من اللحية، ولا أفهم هل كانوا يريدون منه تجسيد شخصية إرهابي مثلًا بشكل رجل حليق؟ بلا شك، أن قضية الإرهاب التي ذقنا مرارتها، ومصر كذلك من الدول التي تجرعت آلام الفكر الإرهابي وما يتبعه من عمليات تخريب وقتل وتفجير، قامت على أيدي – متطرفين - دينيًا وهذا الواقع، فلماذا يعتبرون أن تجسيد هذه الشخصيات فيه إساءة للإسلام، أليست الإساءة الحقيقية للإسلام هي الأفكار الإرهابية؟ أم إن شخصية الإرهابي صارت “خطا أحمر” في مصر –الجديدة- ولا أقصد هنا الحي بل أقصد الجديدة فكرًا وأسلوبًا وتطرفًا عند البعض من الناحيتين: الدينية والسياسية.
وأنا هنا لا أعمم، لأن أرض الكنانة وأهلها هم من أهل الشيم والأخلاق، لكنني أتحدث هنا عن المصريين الجدد، الذين لا يتوانون في إظهار فتوتهم الدينية بإقامة محاكم التفتيش التي تريد معاقبة الفنان عادل إمام، وكذلك المصريين الجدد في السياسة الذين يريدون قلب موازينها دون احترام للدول الجارة والتي ارتبطت مع مصر بمواثيق الدين والعروبة والأخوة، وما حكاية المحامي الجيزاوي ببعيدة، وما قرأناه في تحوير تلك القضية من مثقفين كنا نراهم في يوم من الأيام “أعلاما” بينما فشلوا في أولى سنة حرية، وظهر الفجور الثقافي والإعلامي مبروزًا بالكذب والتلفيق والسب والشتم، ولم يحترموا لا حكومة ولا شعب ولا روابط صداقة ولا نسب ولا أخوة ولا جيرة، ومارس – بعض - المثقفين للأسف حريتهم التي كانوا يبحثون عنها في عصر – قمع - محمد حسني مبارك، لكنهم فشلوا في الحرية، وفشلوا في الكلمة، وفشلت مصداقيتهم لدينا، فكيف لمثقف أن يدافع عن مروج مخدرات، أين أخلاقيات الثقافة، وأين سلوكيات المثقفين التي يُفترض أن ترفض هذه السموم المخدرة التي هي وبال على كل العالم، وليس العالم العربي فقط؟
إن الأخبار الآتية من مصر مؤلمة للغاية، ولا تبشر بالخير، والحل بيد المصريين وحدهم، فهم أول من سيتضرر من هذه السلوكيات الفردية –اللا مسؤولة- سواء في سياستهم الخارجية مع دول الجوار، أو في فتح الأبواب أمام التطرف الديني الذي يلتهم العقول فلا يجعلها قادرة على التمييز، وها هي النتيجة، يريدون محاكمة عادل إمام، وهو رمز للكوميديا العربية قبل المصرية، ويريدون أن يختموا مشواره الطويل داخل (التخشيبة) بدلا من أن يتم تكريمه على جهوده المبذولة في رفعة الثقافة الفنية، ومنها ما قام به من نقد للتطرف والإرهاب بشكل كوميدي رائع، والنتيجة أن المصريين الجدد الآن يريدون عمل محاسبة للفن، وتفتيش في النوايا، وما سنراه في المستقبل القريب قد يكون أكثر من هذا..
لذا أيها النبلاء، فإنها كلمة من محبة لكم، لا تسلموا مصر لمن يريد استخدامها لنفسه، فمصر هي وطن العرب وليست وطنكم وحدكم، نريدها كما عهدناها، بل نريدها أجمل وأفضل.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .