العدد 2659
الإثنين 25 يناير 2016
banner
غنــى الربيــع أحمد جمعة
أحمد جمعة
الإثنين 25 يناير 2016

 لفريد الأطرش أغنية شهيرة اسمها غنى الربيع ذكرتني بأنه بعد أسابيع ينتهي الشتاء ويبدأ الربيع بأزهاره وطيوره وأوراقه ومياهه العذبة ووو... فماذا عن هذا الوضع العربي الذي نعيشه اليوم بعد انقشاع غيوم ما سمي بالربيع العربي وما هو إلا ربيع الدم، ماذا بعد فشل هذا المشروع الشيطاني الدمر الذي يصادف مرور يناير قبل خمسة أعوام بدء انتشار ميكروبه الشرير الذي نشر الدمار في عالمنا العربي.
لقد رحل معمر قبل أن يرى ليبيا اليوم، وتقاعد مبارك وهرب بن علي وتشوه بن صالح وسفك الأسد ما طاب له من الدم وتمزق العراق وسقط لبنان، ومازال الدم يسيل بالأحواز كل يوم ولا حديث عن ربيع ولا بطيخ ومازالت السماء تمطر دماءً، فأين زهور الربيع وأين تغريد البلابل والحدائق الغناء العربية لقد سحقتها المشاريع الديمقراطية الفاشلة وداست عليها أقدام الغوغاء باسم الثورة والحقوق حتى اتضحت الصورة التي لم تكن سوى ثوارة عربية بامتياز؟ وها قد جاء مشروع جديد لضرب العرب اسمه النفط، ففتشوا في جيب الغرب عن اللغز.
حدائق العالم العربي مسكونة بالدم والحلم بالأزمات، ترى متى نفهم ما يجري حولنا؟
بدأت المسرحية بانتحار سريالي في تونس، ثم حجارة ومتاريس ثم سال الدم في الشوارع ثم هروب أسرع من طلقة رصاصة للرئيس وزوجته وبحوزتهما ذهب ودولارات، هذه باختصار بداية القصة من تونس، فهل كانت الحكاية بريئة من ديكور أوروبي أو أميركي حتى تستنسخ بسرعة طلقات الرصاص على كوبري مصري فيخرج الآلاف ويسيل الدم مرة أخرى من القاهرة بعد تونس فتتدحرج كرة الثلج النارية وتكبر وتتضخم وتصبح مشروع رواية أو مسرحية عربية لتأتي محاولة أخرى اسمها الأزمة المالية وأزمة النفط ولا نعرف من في جعبته حل اللغز.  يخيل لكل الواقفين عند أفق السماء، مطلين على العالم الجديد الذي بدأ من يناير ولن ينتهي في يناير وشلال الدم يتدفق لا ندري لأن عيون العالم عميت، ولأن الربيع فقط شعاره العربي وربما الأحواز مشكوك في عروبتها فلم تر عيون واشنطن ولا نظارات باريس ولا دكاكين العفو الدولية وهيومن رايتس من دم الأحواز إلا خريفاً فارسياً لا يستحق الذكر، فليتم التركيز اذا على البحرين ونسيان الأحواز، لأن مهندس الديكور يتبع منهج الاخراج والمخرج هنا ليس واحداً بل  شركة عالمية تبيع الضمادات بعدما تسيل الدماء وهي دماء رخيصة لأنها عربية.
ولأن لسان حال العرب مكون من أجزاء شتى تصعب قراءتها لأن العربية هي لغة الضاد، فقد تسنت تسمية الدم العربي بالربيع تيمناً ولهذا كان الجميع، صحف ووكالات وفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي كلها جرت مثل كلب بافلوف وراء التسمية. لم يسأل عربي واحد في الملايين أين الربيع الأخضر وسط الدماء والأشلاء والدمار واليتامى؟
هناك الأزهار والأنهار والأعراس والرقص والتزلج على هضاب الثلج، يرسم لون الربيع وهو يولد من رحم الشتاء عكسنا، الربيع العربي يولد في الأقبية والدهاليز وعلى أسنة الرماح، ليصنع عرشاً من السيوف والرماح تجلس عليه الشعوب المسكونة بالخديعة.
لم يزهر ربيع الشعوب إلا حلماً مازال في طور النشوء، ولم يثمر أوطاناً بحجم الأحلام الغائبة الحاضرة، هو ربيع ليس كربيع الفصول ولا ربيع الأطفال ولا أحلام الملائكة حيث صعدت الشياطين على ظهور الدبابات وتطهر الدينيون بملابس الجرم المشهود، فغابت حدائق الزهور وغاب الربيع من رزنامة الشعوب ولم يتبق سوى دماء تسفك في شوارع عواصم الربيع، ربيع الدم الذي لم يجف بعد وباركته  كل العواصم من واشنطن حتى بروكسل ولا تنسوا أشتون التي كانت مروجة للدم العربي.
سقط الربيع الأميركي ولم يبق سوى ربيع فريد الأطرش فعلى الأقل يطربنا في وقت الضيق.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية