العدد 2595
الأحد 22 نوفمبر 2015
banner
ليلة أطفئت فيها حياة أسرة آمنة أحمد جمعة
أحمد جمعة
الأحد 22 نوفمبر 2015

ليلة ينسى فيها الإنسان أنانيته، ليلة تستيقظ قبل ساعات الفجر على بكاء وعويل وصراخ منزل جارك الملاصق لك، يستغيثون وكأنها نهاية العالم، ليلة تطل ابنتك من نافذتها وهي مستيقظة تلك اللحظة على صراخ الفزع لتشاهد الدخان وألسنة اللهب تتصاعد من أرجاء المنزل، والأب وابناه يحومون حول المنزل وقد تملكتهم الهستيريا وهم يعرفون أن هناك من هو بداخل المنزل من الأبناء والأطفال ولا يستطيعون فعل شيء؟ تهرع أنت وابنتك وابنك بملابس النوم وبعض جيرانك نحو الشارع بواجهة المنزل الذي تستعر فيه النيران وتجد نفسك مكتفا ومشلولا والنيران تحاصر كل المداخل وهناك من يستغيث من داخل المنزل، وأنت حائر باستثناء الاتصالات بالإسعاف والدفاع المدني، هذا الوصف ربما لا يشكل ذرة من واقع اللحظة التي يجري فيها كل شيء بسرعة وتدرك أن كل ثانية محسوبة من عمر من هم بداخل المنزل، خوف ورعب وفزع، هستيريا خصوصا مع وجود سيارات أفراد الأسرة بداخل الكراج والنيران تحاصرها وتنتظر في أية لحظة أن  تنفجر وتنتشر النيران في المنازل المجاورة فتتضاعف الكارثة، تقف حائرا مترددا تقترب من النيران، وتبتعد لتتصل وتصرخ وتنادي، ولكن لابد من فعل شيء، لابد من معجزة تنقذ من تنقذ حتى لو كلف الأمر حياة الإنسان، كان هناك من يتهدد باقتحام المنزل، خصوصا أبناء صاحب المنزل وكان هناك من يستخدم كل قوته لمنعهما، هذا المشهد ليس من فيلم ولا من رواية ولا من نشرة أخبار ولكنه حدث آني يجري في منزل جارك.
ثوان وتشاهد الأم تلقي نفسها خارجا ولن أصف الوضع، ثوان ويتم إنقاذ طفلة عبر السطح، ثوان وتسمع بل وتشاهد احتراق ووفاة شابة رحمة الله عليها، كانت صديقة منذ الطفولة لابنتك التي ألقت بنفسها على الأم التي ملأتها الحروق والكسور محاولة التهدئة والمساعدة بمقدار ما رأيت من الشجاعة والعزيمة في فتاة كانت تخشى القطط وظلها، قوة لا تعرف من أين استخرجتها تلك اللحظة، تتحرك بهستيريا متجاوزة فزعها ورعبها، كل شيء يجري بسرعة الضوء وجنون النار التي لا شيء يبطئها ويحد منها حتى دقيقة وصول الشرطة ثم الدفاع المدني والإسعاف، والحقيقة أنهم وصولوا في وقت قياسي وبدأت مكافحة النيران لينتهي المشهد على شابة شهيدة في عمر الربيع رحمة الله عليها، وأم بالمستشفى تعاني الحروق والكسور وأب وأبناء لا حول لهم ولا قوة سوى إرادة الله ولطفه.
دقائق تتحول فيها حياة أسرة سعيدة مستقرة مطمئنة إلى النقطة الأولى، لا منزل، لا حياة، لا أوراق، ولا شيء بالمطلق. كما ذكرت في البداية، ليلة لا ينسى فيها الإنسان ما رأى ولن ينسى مادام حيا يرزق.
تداعيات اللحظة تلك رؤية بعض الجيران ينسون مذهبهم وطائفتهم وتناقضاتهم وينخرطون في دوامة الفزع والذعر يساعدون بكل ما يملكون، وبذات اللحظة ترى بعض الجيران وكأن ما يجري هو فيلم سينمائي يتفرجون بلا مبالاة، وجيران يسيرون أمام المنزل وأمام هذا المشهد ليلحقوا بصلاة الفجر من دون أن يعني لهم ذلك شيئاً، إنهم البشر وطبيعتهم وتركيبتهم ومشاعرهم، لا يمكن أن يتشابهان، بل ما لفت نظري تلك اللحظات الهستيرية التي انتشر فيها الدخان والنيران والموت هو بعض الأفراد الذين عادوا من صلاة الفجر يستفسرون عما جرى! تذكرت أن الخير لا دين له، الخير من سلوك البشرية بصرف النظر عن مذهبهم وعن دينهم وعن تناقضاتهم.
خلاصة هذه الليلة أن حياة هذه الأسرة المنكوبة تغيرت تماماً قبل الحريق وبعده، وأن الانسان لا يملك من رصيد في الحياة سوى محبة أخيه الانسان، وأن الدين هو العبادة والعبادة هي فعل الخير قبل أن تكون أركانا ومبادئ، والإنسان مقدر  له أن تتغير حياته كلها في دقيقة ولكن العبرة في كيف ستكون ما بعد هذه الدقيقة.
أناشد حكومتنا الرشيدة وأجهزتها الرسمية خصوصا وزارتي الصحة والإسكان الإسراع في متابعة أوضاع هذه الأسرة البحرينية المنكوبة وأنا واثق من أن هذه الحكومة لن تتأخر يوماً في مثل هذه المواقف الإنسانية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .