العدد 2392
الأحد 03 مايو 2015
banner
وداعاً زمن الثورات أحمد جمعة
أحمد جمعة
الأحد 03 مايو 2015

في رواية ارنست هيمنغواي “وداعاً أيها السلاح” بداية صحوة قبل قرن مضى عن انتهاء زمن الثورات، تخيلوا ذلك منذ قرن، واليوم في كوبا بدأ الناس يتنفسون الهواء من خلال التطبيع للعلاقات الأميركية الكوبية، وهناك الآن جيل لا يعرف الثورات ولا يريد أن يفهم شيئاً عن الصراعات الدموية والانقلابات وهو ما دفعني اللحظة للتوجه للعقليات والرؤوس التي ربما مازالت بها بقايا تؤمن بعصر الثورات والانتفاضات لأقول لهم اصحوا، حتى كوبا آخر القلاع وحتى فيتنام لم تعد تؤمن بالثورات ولا بالدماء التي تسيل ولا بالفقر والجوع الذي تخلفه هذه الثورات المزعومة التي تأتي باسم الجماهير وفي النهاية تأكل الجماهير، ولكم في نموذج ما يسمى بالثورة الخمينية دليل على الجوع والفقر والتخلف والعزلة والحالة الرديئة جداً التي يعيشها الناس هناك ويترحمون من خلالها على الأيام الذهبية لشاه ايران الذي كان الناس وقتها رغم تبرم البعض يعيشون العصر الذهبي قياساً بالحالة المتردية اليوم التي جعلت المرأة تبيع أبناءها لتعيش والرجل يبيع روحه ليبقى على الحياة، هذه هي نتيجة الثورات الدموية ونتيجة الخداع والتظليل الذي وقعت فيه الشعوب وصدقت أن ثمة من يريد من الانقلابات والانتفاضات أن تأتي بالرفاه والرخاء ولكم في النموذج الليبي والحالة العبثية هناك صورة تجسد خداع الثورات.
أتمنى اليوم من الجيل الطالع والجيل الشبابي أن يلتفت للمستقبل من خلال رؤية متفتحة قادرة على استنهاض الطاقات الكامنة في العقل والجسد وتوظيفهما في الرخاء والتنمية بدلاً من إهدار الوقت والجهد في قراءة ومتابعة عصور الثورات المظلمة التي لم تجلب للبشرية سوى التنكيل والفقر والمجاعات، فدلوني على ثورة من تلك الثورات حققت ولو أدنى حد من الحياة المعيشية التي تليق بالبشر في الألفية الثالثة؟
لقد انقضى عصر الثورات قبل عقود وليس اليوم وانتهى الحلم الثوري على عتبة الدم والقتل وخط الفقر، لم يعد الإنسان يحلم بالثورات لأنها أصبحت كوابيس مرعبة من شأنها أن تجعل حياة الشعوب لا تختلف عن حياة الكوريين الشماليين والإيرانيين والليبيين الذين عاشوا الوهم واحترقوا بنيرانه التي لا يتمناها المرء لعدوه، وفعلاً اليوم إذا كان لديك سخط على شخص وتريد أن تدعو عليه فادع عليه أن تصيبه ثورة في رأسه لأنها ستخلص عليه وهذا هو حال الشعوب التي حان الوقت ليستيقظ شبابها من أحلام الثورات والانقلابات والانتفاضات الدموية ويعيدوا النظر في بناء حياتهم العصرية من خلال العلم والمعرفة والثقافة والتواصل مع العالم ومكوناته الابداعية، فهذا الزمن خاص بالذين يريدون انتهاج التنمية والبناء في مجتمعات تعيش الأمن والاستقرار والسلام والتسامح لا مجتمعات تقوم على العنف والارهاب والتدمير باسم الثورة وهو زمن ولى وانقضى ولم يعد إلا في بعض الرؤوس التي خدعتها الولاءات الدينية المرجعية والدعوات الثورية الغبية التي تعيش وهم الانقلابات، لا احد يتحدث اليوم في العالم بلغة الثورات الا بعض العقول العربية المأخوذة بنزعة المرجعيات الدينية ولا أحد في العالم يعرف أو يردد مفردات الثورات إلا في بعض الدول العربية المسحور شبابها والمضلل بالمعلومات الخرافية والشعارات الخطابية التي لا تؤكل منها كسرة خبر.
ان المصافحة التاريخية بين راؤول كاسترو وأوباما وانفتاح فيتنام على العالم الخارجي وسياسة الصين الاقتصادية والاستثمارية في العالم وتحول روسيا لأكبر دولة رأسمالية في العالم لا يترك لزمن الثورات سوى طهران وسيؤول وحدهما تعيشان الفقر والمجاعة باسم الثورة ولا أظن ان هاتين الدولتين ترمزان لشيء له علاقة بالحضارة والانسانية والرخاء في عالم اليوم.
استيقظوا يا شبابنا وأطلوا على العالم، فهناك شيء اسمه المستقبل حل مكان زمن الثورات الدموية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية