+A
A-

رحيل الفنان التشكيلي والمعلم إسحاق خنجي

البلاد - طارق العامر
فقدت الأوساط الثقافية البحرينية الفنان التشكيلي إسحاق قاسم خنجي الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى أمس عن عمر يناهز الـ 71 عاما بعد أن قدم لوطنه تراثا سيبقى محل إعجاب وتقدير كل العاملين في حقل الفنون التشكيلية ممن يعتبرونه واحدا من أبرز الفنانين الذين عملوا في هذا المجال وساهموا بأعمالهم في تطوير الوعي الوطني بالفن التشكيلي وزيادة المهتمين به ليس فقط في مملكة البحرين، وإنما على مستوى الوطن العربي ككل.

وقد وافت خنجي المنية صباح أمس بعد حياة حافلة بالعطاء امتدت طوال العقود الأربعة الأخيرة، خصوصا بعد أن بدأ وهو في سن صغيرة برسم اللوحات الفنية من وحي الطبيعة، وبعد أن ذاع صيته في رسم صور الشخصيات السياسية منذ فجر التحرر القومي في بداية خمسينات القرن الماضي، حيث قام برسم الأمير الراحل المغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، فضلا عن الرئيسين محمد نجيب، وجمال عبدالناصر والرئيس السوري شكري القوتلي.
إسحاق قاسم خنجي نشأ في فريج العوضيه (الذواوده)، ودرس على يد الملا محمود في المطوع القرآن الكريم، وبعض الأحاديث النبوية، وكانت هذه الدروس تقام في مسجد الشيخ قاسم وكان من بين الذين يدرسون مع إسحاق خنجي في المطوع بسام البسام، ومصطفى فقيهي وغيرهم، وعشق هواية كرة القدم وكرة السلة والرسم، كما لعب كرة القدم في نادي الاتحاد والنجوم والمحرق والنهضة, ومن شدة ولعه بالرياضة، كان يذهب على الدراجة الهوائية “السيكل” من المنامة للمحرق ليلعب في فريق النهضة، ويرجع على “السيكل” أيضاً، كما لعب إسحاق خنجي في فريق النجوم والاتحاد بعد أن تغير اسمه، وكان يسمي نادي كلستان، ومن بين من لعب معه في الفريق، محمود أكبري، وأحمد جمال، وإبراهيم جمال، وبيكيه قبل أن ينتقل إلى السعودية وغيرهم من اللاعبين ممن مثلوا الكرة البحرينية.
أما عن موهبة الفن، فقد لفتت موهبته المبكرة في الرسم العديد من أساتذته في المدرسة، فحصل على الدعم والتشجيع من الفنان واللاعب محمود أكبري ومن مدرسي التربية الفنية، ومنهم المرحوم الأستاذ خليل الزباري، والأستاذ أحمد السني، والأستاذ أحمد يتيم، والأستاذ خليفة غانم الرميحي, ومدير المدرسة الشرقية آنذاك المرحوم الأستاذ حسن الجشي.
ثم وبعد ذلك التحق بمدرسة المنامة الثانوية قسم التجاري، فكان من زملاء المدرسة الدكتور غازي القصيبي، محمد كانو، محمد عيد بوخماس، إبراهيم علي إبراهيم، علي قاسم ربيعة، وبعد أن أنهى الدراسة عمل في حقل التعليم، كان مدرسا لمادتي الرسم والرياضة في مدرسة السلمانية, ثم انتقل للتدريس لمدرسة الشرقية التحضيرية, ومدرسة القضيبية, وتخرج على يده الكثير من اللاعبين المتميزين، ومنهم اللاعب سعيد العبادي، وفيروز غلوم، ومحمد الأنصاري، وحسن يوسف (بوعلي), كما قام الراحل بتأسيس فريق النجمة الخليفية العام 1962، والذي كان عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وكان العاهل أحد لاعبيه البارزين، وحين تلتقيه فتسأله عن فريق النجمة، يسترسل في الحديث ويعتبره أجمل لححظات حياته، يقول:
“في العام 1962 حين كنت مدرسا في مدرسة الحورة الثانوية، قدم إلى مجموعة من الطلبة وأخبروني عن رغبة جلالة الملك (وكان حينها طالبا في المدرسة) عن تأسيس فريق لكرة القدم يتولي هو تدريبه، تحمست للفكرة وباشرت على الفور بالإجراءات المطلوبة لإنشاء الفريق، والذي حمل اسم فريق النجمة الخليفية، وفي العام نفسه انضممنا للاتحاد الرياضي، وكان مكان تدريب الفريق في الرفاع الغربي بالقرب من منزل القصيبي القديم، وكان من بين اللاعبين في فريق النجمة الخليفية بالإضافة إلى جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، كل من الشيخ سلمان بن عبدالله آل خليفة، الشيخ عبدالله بن سلمان آل خليفة، والشيخ دعيج بن سلمان آل خليفة، الشيخ عيسى بن إبراهيم آل خليفة، والشيخ حمد بن إبراهيم آل خليفة، سالم حسن، يوسف خير الله، يوسف شرفي، محمد عبدالله، عبدالرحمن القعود، فاروق القصيبي”.
وفي العام 1968 قرر مواصلة الدراسة، فالتحق بكلية المعلمين في جمهورية مصر, وقد التقى الفنان المصري المرحوم كمال عبيد، حيث كان يذهب ليتعلم منه الفنون التشكيلية بعد أوقات الدراسة, كما تعلم على يد الأستاذ الراحل حسن المحري الذي شجع الراحل إسحاق على دراسة النحت في الهند, كما حصل على منحة دراسية لمدة عامين في مدينة برايتون في إنجلترا.
في العام 1970 تأسست جمعية البحرين للفن المعاصر، فكان أول المنظمين لها، وفي العام التالي 1971 التحق الفنان بدورة تخصصية في فن النحت والخزف بمدرسة ج .ج للفنون الجميلة بمدينة مومبي بالهند، بإشراف الفنان الهندي الشهير كانو لكار.
وشارك إسحاق خنجي في كثير من المعارض في الخارج منها معارض في المملكة العربية السعودية، العراق، إنجلترا، اليابان، ومصر وسوريا. في 1980 شارك في مهرجان أصيلة بالمغرب مع زملائه من الفنانين التشكيليين عبدالكريم العريض، وناصر اليوسف، وإبراهيم بوسعد، وكامل بركات، ومن أبرز أعماله المنحوتة “السمكة والشراع” والموجودة فوق منصبه على شارع الفاتح مقابل النادي البحري منذ العام 1986 وحتى اليوم، ورغم التغير في الشارع، والذي تخلله جسور إلا أن العمل ظل في مكانه، واستغرق تصميمه وعمل الدراسات له وتنفيذه قرابة عشر سنوات، والنصب على شكل سفينة وهي رمز للتجارة وصناعة اللؤلؤ، والجزء العلوي على شكل محراب يرمز إلى البحرين، حيث كانت ولا تزال محرابا للفن والثقافة والتعليم، والشكل عموماً يرمز لانطلاق البحرين نحو التقدم والازدهار في جميع المجالات.