العدد 6006
الثلاثاء 25 مارس 2025
خربشة ومغزى.. "سقوط الساسانيين.. درس تأريخي"
الأحد 13 أكتوبر 2024

سقوط الساسانيين درس تأريخي لمن أستبصر وعاء الزمان وحكايته المدفونة، وعند الدارسون التأريخ ليس أكوام من الورق الميت يعيش على الأرفف، بل هو ما سطرته بعض عقول عظماء دوَّنوا ملاحم وأحداث وأخبار. ونهاية حكم الفُرْس الساسانيين قد يشابهها نهايات ممالك ودول لها أثارها على صفحات الزمان، وهي ماّلات تتكرر درس وعبرة لمن أستبصر. 

يُؤرخ أن الدولة الفارسية أصابها زلزال جللّ هزّ أركانها يماثل سقوط الدولة الأخمينية الفارسية على يد الإسكندر الأكبر. المُشترك في كلا الحدثين خلال تاريخ بلاد فارس الطويل أنهما انتهتا بوقت قصير دونما مقاومة كبيرة من الفُرْس. 

التأريخ يُحدثنا بعد اغتيالِ الملك كسرى الثّاني انتشرت الفوضى في الدولة الساسانية على مدى أربع عشْرة سنة وجاء بعد كسرى الثاني اثنا عشرَ ملك متعاقبون من ضمنهم اثنتان مِنْ بناتِ كسرى الثاني براندخت وازرميدخت. وهكذا ضعفت الإمبراطوريةَ الساسانية إلى حدٍّ كبير وتغيرت قوَّة السلطة المركزية على أيدي تدخلات جنرالاتِ الجيش. هذه الفوضى أستمرت عِدّة سنوات لحين ظهور ملك قوي بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية. هذا الملك القوي هو يزدجر الثالث الذي أعتلى العرش في ربيع سنة 632م، وهو حفيد الملك كسرى الثاني وكان يعيش في مدينة اصطخر التي تقع جنوباً في فارس وكانت فيما سبق عاصمة مؤقتة للساسانيين قبل انتقال العاصمة إلى المدائن (طيسفون) وهي مدينة عراقية الآن.

تزامن مع سَنَةِ اعتلاء يزدجر الثالث نفسهاِ بداية الفتوحات الإسلامية العربية الأولى لبلاد الفُرْس الساسانيين، قاوموا في البداية بمقاومة فعّالة لصد هجمات المسلمين. هذه المقاومة استطاعت أن تضغط على الجيوشِ الإسلامية الأوليةِ وتمنعها رغم الضغوط والتحديات آنذاك التي واجهت الملك يزدجرد الثالث، تمثلت في اختلافات الرأي بين مُستشاريه حول هذا المدّ الإسلامي، وكذلك تحدي دعوات الانفصال من الممالك الإقطاعية الصغيرة في بلاد فارس إلا أن الساسانيين حينها تمكنوا من تجاوز كلّ ذلك، بل استطاعوا في معركة الجسر سنة 634م الانتصار على العرب المسلمين. 

هذا الانتصار لَمْ يُوقّفْ حملات الفتح الإسلامي بعد معركة الجسر، بل ظهرت ثانية تحت قيادة سعد بن أبي وقاص 
الذي أختاره الخليفة عمر بن الخطاب لقيادة الجيش العربي المسلم. سعد بن أبي وقاص تمكن من هزيمة الجيش الساساني الكبير بقيادة الجنرالِ رستم فروخزاد في معركة القادسية سنة 637م، وتم حصار مدينة المدائن التي سقطت بعد ذلك. بعد الهزيمة في معركة القادسية هَربَ الملك يزدجرد الثالث مِنْ المدائن، وترك خلفه فيها أغلب الخزانةِ الإمبراطوريةَ الواسعةَ حيث أستطاع المسلمون الاستفادة منها. هذه الخزانة كانت محفوظة في المدائن بينما كانت الإمبراطورية الساسانية في ذلك الوقت مستنزفة ومقسّمة وبدون حكومةِ قوية مركزية فعّالة.

بعد القادسية تطورت الأحداثَ، وأصبح هناك فراغ نسبي في السلطةِ الإمبراطوريةِ الساسانية، وهذا دفع استمرار الحملات الإسلامية للسيطرة على باقي أراضي الإمبراطورية الساسانية رَغْم محاولات عدد مِنْ حكام بلاد فارس الساسانيين دَمْج قواتهم لإيقاف الغزوات الإسلامية، ولكن هذه الجهود كانت بلا فائدة بسبب انعدام السلطة المركزية القوية حيث تمت هزيمة هؤلاء الحكام في معركة نهاوند. تبقى اخيراً أمل وحيد للإمبراطورية الساسانية لهزيمة العرب المسلمين هو استخدام طائفة الفروسية وهم (طبقة النبلاء الأحرار )فتم استدعائهم، فلم تكن جاهزة حينها للدفاع الأخير عن الإمبراطورية الساسانية لعدم وجود التركيبة العسكرية المنضبطة، وانعدام الدعم المالي للقوات العسكرية. ولهذا تحطمت طائفة الفروسية تدريجياً مع ما تبقى من جيوش فادى ذلك للفوضى في الإمبراطورية.

أخبار الهزائم المتتالية للجيوش الفارسية أدت لهروب الملك يزدجرد الثالث مع نبلاء الدولة الفارسية إلى خوزستان. الملك يزدجرد الثالث بعد سنوات تم اغتياله على يد طحان مخبز كان يريد سرقته في مدينة مرو سنة 651م، ووفقا لمصدر الشاهنامة التي ألفها الفردوسي؛ أن يزدجرد اضطر للهروب لهذه المسافة البعيدة لأنه لم يجد من يرحب به في اي مكان أو مساعدته. أستقر بقية النبلاء الفُرْس في وسط آسيا حيث ساهموا كثيراً في الثقافة واللغة الفارسيةِ ونشروها في تلك المناطقِ، وأسسوا السلالةِ الإيرانيةِ المحلية الأولى سلالة السامنيين. تلك السلالة التي أرادتْ إنْعاش التقاليد الساسانية التي قيدها المسلمون بعد فتح بلاد فارس، والذي اعتبروه شلل غير متوقع للإمبراطوريةِ الساسانية. الفتوحات اكتملَ عملها بعد خمس سَنَوات لضم أغلب أراضي الدولة الساسانية ضمن أراضي الخلافةِ الإسلامية الجديدة.

الجدير بالذكر كان حال العديد مِنْ المُدنِ الفارسية بعد الهزيمة تكرار محاولة المقاومة ضدّ العرب المسلمين مرات عديدة، وهذا حدث في أصفهان والري وهمدان حيث أثاروا ثورات التي تم قمعها. وبفتح بلاد فارس كلها على يد المسلمين وبمقتل الملك يزدجرد الثالث سنة 651م كانت نهاية الإمبراطورية الساسانية.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .