العدد 5696
الأحد 19 مايو 2024
banner
د. نجيب غربال
د. نجيب غربال
قصر النظر لرائد الأعمال Myopia of the entrepreneur
الأربعاء 06 مارس 2024

هذا المقال مرتبط بشكل وثيق بالمقال السابق "الإدارة الاستراتيجية وريادة الأعمال"، ونقتبس منه هذه الفقرة لتسهيل عملية الربط (هناك مستويات إدارية لوضع الإستراتيجية وكل مستوى يكون له اختصاص معين حسب الهيكل التنظيمي للمنظمة، أولاً: إستراتيجية الإدارة العليا، ثانياً: إستراتيجية وحدات الأعمال مثل: الإنتاج، المشتريات، التسويق، المالية، الموارد البشرية، الأبحاث والتطوير، ثالثاً: الإستراتيجية الوظيفية، رابعاً: الإستراتيجية التشغيلية – التنفيذية. وبناءً على كل مستوى يضع كل منها استراتيجية التي تخصه بحيث تصب كل هذه الاستراتيجيات في رسالة المنظمة).
ولكي نقرب الصورة للموضوع أكثر نستعين أولاً بالتعريف الطبي: قصر النظر أو (حسر البصر)، وهو مرض بصري شائع، حيث يستطيع المصابون به رؤية الأشياء القريبة بوضوح، بينما تبدو الأشياء البعيدة ضبابية. ويحدث ذلك عندما يُسبب شكل العين، أو بالأحرى شكل أجزاء معينة منها، انكسار أشعة الضوء على نحو غير دقيق. حيث إن أشعة الضوء التي يجب أن تتركز على الأنسجة العصبية في الجزء الخلفي من العين (الشبكية)، تتركز أمام الشبكية بدلاً من ذلك.

وهنا يمكن أن نُشير إلى قصر النظر في الأعمال التي يتم تأديتها بشكل يومي تقريباً وهو خطأ شائع متمثل في إعطاء الأولوية للأهداف قصيرة الأجل على حساب النمو والتطور للأهداف والأعمال طويلة الأجل وتحديد أولويات واحتياجات احتياجات العملاء.
أي أنه، يتم التركز بشكل كبير على ما هو أمامك مباشرة وغياب الصورة الكاملة للأهداف الاستراتيجية للمستقبل. 
المنشأ: صِيغ هذا المصطلح من قبل أستاذ في جامعة هارفارد بكلية الأعمال الدكتور ثيودور ليفيت (Prof. Theodore Levitt)، حيث سلط الضوء على أن المنظمات غالباً ما تصبح لديها نظرة قصيرة من خلال منظورها إلى الداخل (في حد ذاتها) بدلاً من منظورها إلى الخارج (السوق)، والتركيز على المكاسب الفورية بدلاً من الاستراتيجيات طويلة الأجل.
هنا نذكر بعض عناصر تأثيرات قصر النظر على المنظمة من خلال:
1-    ضعف عائد التسويق على الاستثمار: تخصص المنظمة قصيرة النظر ميزانيات التسويق بشكل غير فعَّال، مما يؤدي إلى عوائد دون المستوى "الأمثل" من جهودها.
2-    الفرص الضائعة: يمكن أن يؤدي تجاهل احتياجات العملاء إلى تفويت المنظمة لتقديم المنتجات أو الخدمات التي يزداد الطلب عليها.
3-    التعرض للتغيرات الصناعة: الفشل في مواكبة الاتجاهات يمكن أن تجعل المنتجات أو الخدمات في واقع عفا عليه الزمن، مثال شركة نوكيا (Nokia) وعدم استجابتها للمتغيرات الخاصة للهاتف الذكي مما جعلها من شركة كانت في الصدارة إلى شركة تدهورت وكادت تخرج من السوق.
4-    إمكانات نمو محدودة: كل هذه العواقب تعيق النجاح على المدى الطويل.
5-    الغطرسة والثقة المفرطة بالنفس يمكن أن تعمي أو تظلل المنظمة عن الحقائق الخارجية. 
6-    ينظر أصحاب الأعمال صاحب النظرة القصرية إلى داخل المنظمة، دون النظر إلى الخارج.
7-    يركز على المستقبل قريب الأجل، دون استشراف المستقبل على المستوى بعيد الأجل.

إن تأثيرات قصر النظر في مجال ريادة الأعمال يؤدي بتحقيق عائد ضعيف على استثمارات التسويق للمنظمة وبالتالي إلى انهيار الأعمال بشكل كامل. يمكن أن يؤدي هذا الخطأ أيضاً إلى تخصيص ميزانيات التسويق بشكل غير فعَّال، وفقدان الفرص لتقديم منتجات أو خدمات غير مطلوبة، وتعرض المنتجات أو الخدمات للتهديد بالتقادم، وتقليل فرص النمو وتقييد النجاح على المدى الطويل.
ولترجمة ما تم عرضة من شرح بشكل نظري بحت سوف أحاول تبسيطه في إطار يستطيع أغلب القراء فهمه واستيعابه، قصر النظر عند رائد الأعمال هو عبارة عن عدم دراسة احتياجات العميل ومتطلبات السوق بشكل صحيح ويؤدى إلى قصور في تصميم المنتج أو الخدمة بما لا يتناسب مع متطلبات العميل في الوقت الراهن. كما يمكن أن يكون قصر النظر موجود عند مدير الموارد البشرية في المنظمة أو الشركة مثل تصميم برامج ومزايا وتعويضات للموظفين، وطبعاً في هذا المثال الموظفين يعتبرون عملاء داخليين لأداره الموارد البشرية في المنظمة، تخيل التالي: موظف في هذه المنظمة راتبة الشهري 400 دينار وتم منحه ميزات (benefits) لعملية تجميل تكلف 10000 دينار على أن يدفع نصف المبلغ، أو تم منحه ميزة تخفيض بنسبة 10% بمطعم خمس نجوم، أو تم منحه تذكرة سفر إلى زيوريخ بسويسرا حيث تُعتبر ثاني أغلى دولة في العالم معيشةً، هنا نلاحظ بأن مجموعة المزايا لا تتناسب (قصر النظر Myopia) مع متطلبات الجميع ولا تلبي قدراتهم المالية ولا ميولهم وبعض الأحيان لا تتناسب حتى مع اعتقاداتهم، في نفس الوقت أن يقوم مدير الموارد البشرية بالتخطيط للعمل يوم بيوم دون النظر إلى تحقيق الأهداف الاستراتيجية المرتبطة بالرؤية المستقبلية للمنظمة على المدى الطويل. 
باختصار، يمكن أن يؤدي قصر النظر إلى قرارات تؤثر على نمو المنظمة وأهميتها، ولتجنب ذلك يجب على رواد الأعمال الموازنة بين الاحتياجات قصيرة الأجل والرؤية طويلة الأجل والبقاء على المواءمة والمتناغمة مع متطلبات عملائها لكي  تحافظ عليهم ولا يتم استدراجهم أو تحولهم إلى منتج أو خدمة أخرى منافسة في السوق بسبب عدم قدرة المنظمة لمنافسة منظمات جديدة للتو دخلت السوق وذات خبرات ومزايا أفضل.
عزيزي رائد الأعمال أحذر من هذا الخطأ وحافظ على التوازن بين الأهداف القصيرة والطويلة الأجل لتحقيق نجاح مستدام في ريادة الأعمال.

*أكاديمي بحريني
 

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية