ما تزال الذاكرة ممتلئة، بالعديد من الأحداث والمآسي الإنسانية التي جرت في غزة "العزة"، على أرض فلسطين المحتلة منذ أمد بعيد، ما تزال الذاكرة عالقة تسترجع مشهد حريق مستشفى المعمداني بصرخات وأوجاع أطفاله ونسائه، وتستعيد صور الدمار التي خلفتها هذه الحرب.
خلال أكثر من خمسين يوماً، عاشتها غزة الجريحة المألومة، بذل شعبها الأبيّ الغالي والنفيس من أجل البقاء على هذه الأرض المقدسة، ومن أجل الدفاع عن قضية أزلية كان المبدأ فيها عدم التنازل عن المكان الذي يعد حقاً أصيلاً لأبنائه.
تمر على بني الإنسان قضايا عديدة، إلا أن وقع الألم في مشاهد غزة يبدو شديداً حدّ الهلاك، يبدو جلياً حدّ الانتهاك، رغم صمود شبيبته وشيبانه، ورغم تحمل أطفاله جسارة ما يعيشون من انعدام لأبسط معاني الإنسانية، ولأبسط ما يمكن أن يستحقه الأطفال في حياتهم العادية.
صور كثيرة، لا يمكن أن تمر مروراً عابراً على مخزون الذاكرة البصرية والسمعية، جراء ما خلفته أحداث غزة، وصبر شعب غزة، وهو يستقبل الموت بأسمى معاني الإيمان والاعتقاد والثبات بأن النصر من عند الله، وهو يبعث برسالته للعالم أجمع بأن الإنسان يدفع ثمن تضحياته التي ستؤتي ثمارها ولو بعد حين.
من أبرز تلك الصور، ذلك الطفل الذي يجر سرير أمه وهي في طريقها لبارئها، والممرضة التي زفت خبر استشهاد زوجها في المستشفى، وطفل مقطوع الرأس "يا لها من مصيبة"، وعملية تبادل أبناء الأخوة في البيوت تحسباً لأقل الأضرار التي ستلحق بالذرية، وتلك التي ماتت نتيجة بتر رجلها دون بنج، وأب يجري عملية بتر لابنته، وذاك حاملاً جثة ابنة عمه، أما هذه الصورة، فيصعب على القلم أن يجر جملتها - يا الله - أب يحمل أشلاء أولاده المقطعة في كيس !! أين نحن ؟!
ولا تزال المحن تسطر لنا أبرز القص والعِبر، وهكذا صار الموت وسيلة أساسية للذين لا حول لهم ولا قوة "إلا بالله"، ليعبروا من خلاله وبواسطته بتضحياتهم ومواقفهم وثباتهم، والصورة الأخرى التي لا تغيب عن البال، أن يتربى الأطفال على طريق الشهادة من ألعابهم "لعبة الشهادة"، والمضحك المبكي أن من يمثل دور الشهيد في اللعبة هو أكثر الأطفال فرحاً وانبساطاً، وهنا يتحقق القول "الضحك على قدر الألم".
النازحون إلى غير أوطانهم، يعيشون غربة الأوطان، ويتجرعون همّ وذكريات مكانهم الأم، ينزحون جبراً ولا تغمض لهم عين وهم يستقبلون النهار بدوي الرشاشات والدبابات، وتغيب شمسهم على فوضى الدمار، هم فقط يريدون أن يناموا في بيوتهم، لا يريدون أن يكتبوا أسماءهم على أذرعهم وأكفهم حتى لا ينسى العالم من يكونوا، وفي أية بقعة طاهرة كانوا يعيشون، هم فقط ينشدون السلام، "وأنت تخوض حروبك .. فكر بغيرك .. لا تنسَ من يطلبون السلام".
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |