العدد 5635
الثلاثاء 19 مارس 2024
banner
صادق أحمد السماهيجي
صادق أحمد السماهيجي
أن نُتفّه الأشياء
الجمعة 07 يناير 2022

هل الحياة تافهة إلى هذا الحد، أو بعبارة أخرى، ما الفائدة الكبيرة والقصوى التي يمكن أن نجنيها من هذه الحياة، قد يبدو التساؤل اعتباطياً، أو يعطي إيحاءً بالتشاؤمية واليأس والاستسلام، إلا أن الموضوع أبعد من هذا التجني، بل هو سؤال حقيقي مشروع، يقيس ويبني ويؤثر على ما بعده من أشياء. 

يذكرني هذا الموضوع، بمقطع مرئي أخذ في الانتشار للكاتب الدكتور خالد المنيف، الذي يؤكد على عبارة "كبّر دماغك" وهو عنوان كتابه، إذ يوضح المنيف أن الحياة برمتها تحتاج إلى شخص يتعامل مع الأمور بعقلانية وهدوء، ويجعل من الأمور التي يعتقد الناس أنها كبيرة، أموراً صغيرة أمام مجريات وأحداث ومواقف هذا العالم.  

وهو ما يؤكد عليه المنيف أيضاً، في كتابه الآخر "المرحلة الملكية"، حيث الابتعاد عن الجدالات العقيمة، وتجنب التورط في استدراج المعارك الصغيرة التافهة، والعيش بكل هدوء ونحن ننظر للأشياء والناس بكل محبة وخير، مهما يصدر عنهم من تمادي وعدم اكتراث، وأن نتكيف مع الظروف مهما كانت قاسية وصعبة.

ففي هذه المرحلة باختصار، يكون المعنى الحقيقي فيها "أن تشتري راحتك" بعد سلسلة من الخبرات والتجارب، تصل لمرحلة من النضج لتقول لنفسك " أنا مَلك نفسي"، دون منازع، ودون غطرسة وطغيان، فلا زحمة المرور والسيارات تؤثر على تعكير أمزجتنا، أو حتى الأمور الطارئة التي لم تكن في الحسبان، تؤثرعلى  حرف سير طريقنا وطريقتنا التي رسمناها.     

حتى لا نذهب بعيداً في المثالية، هذا لا يعني، أن نستسلم للأشياء والمواقف، فبالتأكيد، من له حق يجب أن يأخذه ويسعى جاهداً للحصول عليه، والناس، لهم أن يوضحوا أفكارهم ورؤاهم وتطلعاتهم، وأن يعيشوا لحظاتهم مدافعين بكل بسالة عما يعتقدون، لكن في النهاية، ليس عليهم أن يرهقوا تفكيرهم في المخططات التي اجتهدوا فيها ولم تتحقق، سواء مشاريع شخصية أو تجارية أو غيرها، لأنها مخططات لن يتوقف عليها العالم، وفي موضع آخر، قد يصل بالناس الأمر إلى حد أن يمرضوا من شدة إحباطهم "فالحياة لا تساوي جناح بعوضة".  

في سؤال أخير، هل هناك ما هو أكبر صدمة من خبر "الموت" في هذه الحياة، وهو سؤال أثارته قبل أيام، المدربة المتميزة في المهارات الحياتية الأستاذة إسراء حميد لجمهورها على صفحة الإنستقرام، وبمعنى آخر، لماذا الركض واللهث والمحاربة من أجل التميز ، ما دام مصيرنا حفرة صغيرة ندفن فيها ؟

تلك أسئلة فلسفية مفادها حكمة، تقود في اعتقادي، إلى ضرورة أن نعترف ونتقبل فكرة الموت، وأن نتعامل معه بكل بساطة شأنه شأن أي شيء آخر، أن نمرّن أنفسنا على التجرد من تبعات انفعالاته، ولا أقصد التجرد من مشاعرنا تجاه من نحب وتجاه الحياة، ففي النهاية هو قدر محتوم، وبدلاً من أن نبكي على الأشخاص بعد موتهم، علينا أن نعمل ما استطعنا من التزام تجاههم ونقدر حبنا لهم، وهم أحياء، ذلك أدعى لأن نكون مطمئنين ويلفنا الرضا، والتسليم بالقضاء والقدر.  

هي تقنية مفيدة، "أن نتفّه الأشياء" أي أن نبسّط الأمور وألا نعطيها أكبر من حجمها، نحللها، نفككها، نجردها من الطعم والنكهة حتى تعود سيرتها وطبيعتها الأولى، "أن نكبّر أدمغتنا"، "أن نصل للمرحلة الملكية"، الواضح، أنه يمكن أن يعمل الإنسان على ذلك بوعي، فالمنافع كثيرة، منها ما يبعث على استجلاب الطمأنينة والسكينة والسلام، والتصالح مع الذات، ومنها ما يمنح فرصة البحث عن حلول جديدة. يقول أنطون تشيخوف "لا يرتقي الإنسان إلا عندما يلمس بيده حقيقة الحياة التافهة التي يعيشها". 

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .