+A
A-

الابتكار الفني في التراث الشعبي ظاهرة في إنتاج الأدباء والفنانين

لقد دفعني البرنامج الإذاعي “فنون رمضانية” الذي يعده ويخرجه الناقد المسرحي يوسف الحمدان ويذاع عبر أثير إذاعة البحرين مساء كل يوم خميس، خصوصا في حلقته الأخيرة التي تناولت موضوع “الابتكار الفني في التراث الشعبي”، مع ضيفيه العزيزين الفنان يعقوب يوسف، والفنان يوسف محمد، إلى إبداء رأيي في مثل هذا الموضوع المهم، لاسيما وأن قضية الابتكار الفني في التراث أصبحت مطلبا ملحا، وهناك الكثير اليوم من يجتهد في هذا الميدان.

إن ظاهرة الابتكار أو الإلهام الفني بدت واضحة في كثير من إنتاج الأدباء والفنانين في العالم كله، فهم يأخذون الموضوع القديم ليضيفوا إليه تفسيرا جدیدا ملائما لموقعهم النفسي والاجتماعي، أو معبرا عن نظرة خاصة تجاه الحياة والعصر، أو غير ذلك من المواقف والمضامين التي تميز كلا منهم. فعلى سبيل المثال لا الحصر، ما فعله “جان جيرودو” حين اتخذ “الكترا “ رمزا لا للانتقام وحده كما فعل القدماء، بل للعدل أيضا، وضمن مسرحيته نقدا للحياة والمجتمع في فرنسا في فترة ما بين الحربين، نقدا للساسة، ورجال الدين وغيرهم، وكذلك فعل “جان بول سارتر” في مسرحيته “الذباب”، فقد جعل من “أوریست”  شقيق الكترا البطل، ولم يقف عند فكرة الانتقام من الأم الخائنة، أو فكرة تحقيق العدل، والنقد الاجتماعي والسياسي كما فعل “جيرودو”، بل بفكرة الحرية الإنسانية التي جعلت “أوریست “يقف موقف الثائر على “زيوس” المعارض له، والتي تجعل الإنسان الحديث ثائرا على كل شيء، غير محتفل بشيء إلا بحريته التي تجعله إنسانا يحيا ليفعل ما يشاء أن يفعل.

الابتكار الفني في التراث الشعبي ليس وليد هذا العصر كما يتبادر إلى الذهن، وإنما قديم جدا، وقد أتاحت هذه الظاهرة للفنانين أن يجدوا في المأثور منهلا سخيا ينهلون منه ويعبرون به عما يريدون، وقد يطول بنا الحديث لو أردنا الاطلاع على أهم الأسماء التي خاضت طريق الابتكار الفني في التراث الشعبي. فشكرا للقائمين على هذا البرنامج.