+A
A-

شخابيط جدارية في حب الوطن

“قد لا توجد طريقة لفهم الإنسان إلا من خلال الفن”، من حيث تدري أو لا تدري تضمر الأديبة نادين غورديمير في جملتها هذه غريزة إنسانية يتشارك بها معظم البشر، في الفضول بكشف الخفايا والأسرار أي كانت.

وكثيرة هي الطريق التي يفضفض بها المرء عما يدور في خلجات نفسه، من قريحة أفكار، ومشاعر، وهموم، وربما آراء تعكس الواقع المعاش، فبالوقت الذي قد يلجم به اللسان عن النطق والحديث، تنطلق فوهة القلم، أو الريشة، لتعبر عن هذه التراكمات المدفونة، والتي تترجم القيم الاجتماعية، والعادات، والتقاليد، وطبيعة النظام السياسي نفسه.

بهذه الرؤية الموجزة، استذكرت تأثير الريشة في الرأي العام، والفرد خصوصا، وأن أتطلع بدهشة وإعجاب لسلسلة من الشخابيط الجميلة في حب الوطن والدين، والتي نحتت بخط جميل، تفاوت ما بين اللونين الأحمر كلون رئيس والأسود كمحدد له، على عدد واسع من محطات الكهرباء في شتى مناطق البحرين.

هذه المحطات البيضاء، وبفعل فاعل مجهول الهوية كما ذكر لي أحد رؤساء المجالس البلدية، حول واجهاتها الصماء الميتة، إلى واحة تنطق بالذكر، وبمحبة الأوطان، وفي تعزيز التكافل الاجتماعي.

“وطني حبيبي” ، و”سبحان الله وبحمده” وغيرها، من العبارات التي تدغدغ المشاعر، وتثير فيه عواصف من الحنان والولاء والانتماء، كانت مرسومة على أحد هذه الجدران، بعملية منظمة ومقصودة، تخرج بشكل فني منمق ومرتب، بألوان وتصاميم مميزة للغاية.

هذه الكتابة الجدارية، والتي انسابت لشوارع المملكة بهدوء وجمال تام (غير مرخص)، استطاعت بأيام معدودة من ظهورها، أن تنفض الغبار الجاثم بداخلنا، في ظل الظروف التي تمر بها البحرين والعالم كله اليوم، مقدمة بنات أفكار محبي الأوطان، وهي تتراقص على جدران صماء، ميته، باردة، تاركة عليها بصمة من الروح النابضة بالحياة.