+A
A-

العقوبة البديلة تصلح المدان قضائيا دون سجن

إن فلسفة العقوبة تقوم على ركيزة أساسية تهدف إلى إصلاح المجرم وإعادته إلى المجتمع إنسانا سويا يساهم في البناء والتطوير، ولا تهدف بأي حال من الأحوال إلى الانتقام، ولما كانت عقوبة الحبس قصيرة المدة عقوبة تؤدي إلى انغماس أشخاص اقترفوا جرائم بسيطة بمحض الصدفة دون وجود أيه سوابق فمن الحكمة عدم الزج بهم إلى مراكز الإصلاح للاختلاط بأشخاص على معرفة وخبرة جرمية واسعة، كما أن هذه العقوبة قصيرة بحيث لا تمكن الإدارة العقابية من تنفيذ برامج إصلاحيه تعالج المشكلة لدى هذه الفئة، فكان لابد من حل لهذه الإشكالية، فجاءت العقوبات البديلة بالحل كونها تنفذ دون إدخال هذه الفئات إلى أماكن الاحتجاز.

لقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن غالبية ما يسمى بجرائم الصدفة يتحول إلى جرائم الاحتراف، فعلى سبيل المثال لوحظ أن 29 % من أصحاب الجنح الأخلاقية تحولوا إلى جرائم السرقة، ومن هؤلاء 29 % تحولوا إلى جرائم المخدرات أيضا، و40 % منهم تحولوا من جرائم القتل إلى السرقة. وكل ذلك يعود إلى مجتمع السجن وثقافته السفلية التي تعلم أساليب الإجرام، فتكدس السجون، وما يصاحب ذلك من مضار ليس من الناحية الصحية فحسب إنما من جميع النواحي الأخرى، بل إن وضع المحكوم عليهم بالسجن، وهم قادرون على العمل، إضاعة لكثير من الطاقات التي يمكن الاستفادة منها لو أمكن عقابهم بصورة أخرى خلاف السجن، وإفساد المسجونين نتيجة الاختلاط في السجن بغيرهم من المجرمين الخطرين، وقتل الشعور بالمسؤولية، وسيادة ثقافة السجن كبديل للثقافة الأصلية، وانخفاض المستوى الصحي والخلقي بين المسجونين، وسوء معاملة السجناء مما ينعكس على البرامج الإصلاحية المقدمة لهم، وانهيار أسرة السجن، وانسلاخ السجين عن المجتمع، والحرمان الجنسي، والاضطرابات النفسية في السجن... إلخ.

هذا بالإضافة إلى أن المدة القصيرة للحبس لا تكفي غالبا لتنفيذ برامج التهذيب، والتأهيل، والإصلاح، الأمر الذي يجعل هذه العقوبة عاجزة عن تحقيق أهدافها، بل يحولها إلى مجرد عملية سلب للحرية دون جدوى، ولعل هذا ما يفسر ارتفاع نسبة العود إلى الجريمة، ومعدل ارتفاع ارتكاب الجرائم.

ونتيجة لذلك خلص الفقه إلى أن هذه العقوبة تنطوي على كثير من المساوئ إلى الحد الذي يجعل ضررها أكثر من نفعها، حيث أوصى المؤتمر الثاني للأمم المتحدة في شؤون الوقاية من الجريمة ومعاملة المجرمين الذي عقد في لندن سنة 1960 كافة الدول بالعمل على ألا يحكم قضاتها الجنائيون قدر المستطاع بعقوبة قصيرة المدة، وأن يحلوا محلها: وقف التنفيذ، أو الاختيار القضائي، أو الغرامة، أو العمل في ظل نظام من الحرية المشروطة، أو الإيداع في مؤسسة مفتوحة.

كما أوصى المؤتمر الخامس للأمم المتحدة في شؤون الوقاية من الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في جنيف سنة 1975، وهو بصدد تناول موضوع “معاملة المجرمين داخل السجون، وفي رحاب الجماعة” بالبحث عن بدائل للحبس، تطبيقا كجزاء للجناة في المجتمع الحر.